السبت، 16 نوفمبر 2024

 

.الدائرة
جلست في الساحة العمومية؛ على كرسي من كراسيها الخشبية المهترئة؛ أحادث نفسي وتحادثني، ماذا حدث حتى تكاثرت هذه الوجوه المتعبة الحزينة، التي تعلو أجسادها المترهلة المتهاوية نحو الارض، تعلوها أدخنة داكنة تنبئ عن أكوام الشقاء المتراكم ؛والخوف المرعب من الآتي؟؟؟.
وانسحب نظري نحو موطئ قدمي فوقع بصري على حبة سوداء ضائعة ككل ضعيف من خلق الله في هذه الساحة،  يسحبه وهم في صورة أمل.
كانت هناك نملة ضئيلة ؛ لا تختلف أحوالها أو مظهرها عن أحوال رواد الساحة المحاطة بالفضلات المتراكمة تغذي روادها الذين تبعثروا في زواياها أصنافا : منهم العجزة،  والمعاقون، والبطالون، والفقراء اليائسون الذين كانوا لا ينفكون يتبادلون الأماكن دفعا للسأم، كانت النملة تتحرك مثلهم بعشوائية في غيراتجاه،  وبدون هدف، على خلاف ما عرف عن مجتمع النمل في أرض الله الواسعة، وكأنها أصيبت بعدوى أهل البلد، كانت تبذل جهدها في الهروب، أو في طلب غاية نسيت مكانها، أو نسيت الطريق المؤدية إليها، فأخذت تتحرك في شكل دائري متعرج، جانحة نحو اليساردائما، لتعود بعد دورة كاملة مرهقة إلى نفس المكان تقريبا، ثم تبدأ دورة جديدة في نفس الاتجاه، مع انحراف بسيط باتجاه الجنوب الغربي لترسم دائرة جديدة لا تبعد عن سابقتها بسنتمترين في أحسن الحالات؛ وحاولت أن أتفحص الموقف : ما الدافع وراء هذا السلوك البائس المأساوي؟. هل فقد النمل حكمته؟ هل أصاب الفساد غريزته؟ وكيف يحدث ذلك والنمل لا يقرأ جرائدنا، ولا يسمع أو يشاهد قنواتنا، ولا يجتمع إلى مسؤولينا وأولي الأمر في بلادنا فتتضرر خلايا دماغه؟ وتفقد اللغات والاتجاهات لديه معانيها ومدلولاتها؟.
ومددت بصري ؛ محاولا - بكل ما عندي من فضول- استكشاف السر الكامن وراء هذا الجهد العبثي ، وبدا لي أخيرا أنني أدركت بغيتي ؛ إذ كانت هناك حبة حلوى زجاجية بلون العسل ؛ سقطت من فم عجوز كان يمتصها وعصته شفتاه فأفلتت، والتصق أسفلها بإسفلت الساحة ، والنمل مغرم بحلاوة السكر ، ومجلوب برائحته ، وحين حاولت الربط بين الدوائر التي ألزمت بها النملة نفسها وموقع حبة الحلوى ، اعتقدت أن الحبة في تقدير النملة ؛ ومسحها الرداري وحساباتها ،كانت داخل القسم الشمالي لمسارها الدائري ، وقدرت ألا تصلها ، بسيرها هذا ، قبل مرور وقت طويل بمقتضى واقع حالها وحركتها. ؛ فوطنت النفس على الصبر حتى أرى ما ستنتهي إليه هذه الرحلة الدائرية ، هذا إذا صدق ظني، و إذا كانت حبة الحلوى هي بغيتها فعلا ،وهو ما لم أكن متأكدا منه .
مر وقت ، بدا لي فيه أن النملة قد وهنت وخارت قواها ؛ و أصبحت أكثر بطأ و أقل اتزانا ، وزاد تعرج خط سيرها الدائري وأصبح مسارها يشكل خطا منكسرا ، كأنه مسار إبرة تخيط طرف ثوب قماشه محكم النسج قاس ؛ وفي هذه الأثناء مر أحدهم وداس على حبة الحلوى ؛ فالتصقت بحذائه ، وذهب بها ، وكنت أتوقع أن تتوقف النملة أو تغير مسارها ، ولكنها واصلت سيرها كأن شيئا لم يحدث ، وكأنها كانت تسعى لهدف آخر غير ما توهمت أنا ، ولكنني أصررت في داخلي على ضرورة أن يكون هناك علاقة بين حركة النملة وحبة الحلوى ؛ وستصل غايتها ؛ وتلتقط ما بقي من أثر السكر المسحوق الملتصق بالإسفلت ، وانتظرت وخاب ظني إذ مر مسار النملة بعيدا عن المكان الذي كانت به حبة الحلوى، و دون أن تتوقف النملة عن الدوران قالت بصوت يعز سماعه إلا على من كان سميعا: أيها الفضولي لا تتعجب ، مصابي مصابك ، ومصابنا جميعا من هول القحط وطغيان الإسفلت الذي سد المسام ، وغلف البصائر؛ فالعقول ، والقلوب ، و التصورات ، والنمل والبشر وعلاقاتهم و كل ما أنقذ نوح ، حال فانقرض وانتهى ، والساحة وما فيها ، وما وراءها كلها شيء واحد ، كل أسفلتي متجانس .
نبهني قولها إلى أنني أنا أيضا أدور معها دون أن أعي؛ فمرقت مني تنهيدة:
 - دوري ما قدر لك أن تدوري، دوري فقد فقدت معظم الموجودات القدرة على إدراك معنى الوجود؛ والقدرة على تحديد الاتجاهات فتهنا في دوران لا متناه في ساحة الإسفلت؛ عبر حلقات مفرغات؛ بدون هدف؛ أجزاؤها سنوات أعمارنا، لنوهم أنفسنا والأجرين أننا نتحرك، لنكتشف في الأخير أن كلا منا مستقر في مكانه.

 أما سليمان وجنوده فقد تأكدوا قديما أن حكماء النمل وملوكها، لا تحسن التحريض على الثورة، أو الدفاع عن الأوطان والحقوق، وهي بطبيعة تكوينها لا تحسن إلا الحث على الفرار والاختباء طلبا لسلامة الأبدان، النمل أنواع وكله عند سليمان نمل، مجرد زجاج يملأ الساحة.
"
ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون" والميت ومن دخل جحره سيان، وبالتالي ؛ فسليمان وجنوده ؛ هم وحدهم الأحياء المتحركون منتشين مزدهين، هناك في الأعالي ؛على بسط الريح الوثيرة، يستمتعون بما سخر لهم من تياراتها ؛ ومن إنس، وجن وهوام، وسوائل وثروات الضالين والمغضوب عليهم ، من الرقيق والعوام ، على ظهر الأرض وفي باطنها ، وقد سدوا أذانهم ؛ كي لا يسمعوا أنين المداسين إلى أن تدور الدائرة ولابد أن تدور.


الضيف حمراوي 30/3/2013

السبت، 31 يوليو 2021

القول ما قالت حذام

 قال ، وروي ، والقول ما قالت حذام

مع افتراض صدق النية، وسلامة الطوية ، فإن البصر بطبيعته كثيرا ما يخدع ، فيوقع الإدراك في الخطأ، فينقل اللسان خطأ الإدراك إلى السمع الذي يضيف نصيبه من الخطإ إلى الرواية، ويفهم المدون الرواية حسب قدراته وموارده وميوله لا حسب وقوعها وواقعها في عالم المشاهدة ، ويدون ذلك في مخطوطه، ويأتي المفسر فيدمر ويحور ويؤول ويحور حتى يرضى عقله وتطمئن قناعاته وميوله ومعتقداته، فيقول لك هذا هو الحق وما سواه انتحال وضلال وقول بالمحال، وقد تكون البداية من نصف الحواس مع السهو والكسل والغفلة و النعاس، وعليك أن تؤمن وتسلم بما يقول الشيخ العلامة ، البحر الفهامة ، الذي لا يرد له فهم ، ولا يخطئ له سهم وإلا اتهمت بأنك تريد هدم الأساس ، وإضلال الناس، ومن أتباع الوسواس الخناس.

الأربعاء، 18 نوفمبر 2020

الشعر التعليمي نشأته وتطوره .

 

الشعر التعليمي عنوان غير دقيق لخلو المنظومات التعليمية من أركان الشعر وهي:  العاطفة، والخيال، وجماليات اللغة التصويرية المفعمة بالمجاز و ألوان الإيحاء.

وعليه فإن تسمية هذا الأسلوب في التعليم بالشعر إنما هو من باب التجاوز بحكم التشابه في الجانب الشكلي ليس إلا. وأغلبه أراجيز على وزن بحر الرجز تاما أو مجزوءا ( مستفعلن مستفعلن مستفعلن===مستفعلن مستفعلن مستفعلن).

فنظم العلوم في نصوص على أوزان شعرية مقفاة كفن يسهل حفظ العلوم ويحببها للمتعلمين ويمكنهم من استحضارها عند الحاجة لا علاقة له بالشعر كإبداع إلا من الناحية الشكلية: الوزن، والتشطير، والتقفية.

تعد الارجوزة الأموية  أول (نظم) شعر تعليمي ظهر في اللغة العربية على يد العجاج، وابنه رؤبة، جمعا فيها ألفاظ العربية وشواردها وأمثالها وحكمها ونوادرها. يقول الدكتور شوقي ضيف: "والأرجوزة الأموية من هذه الناحية تعد أول شعر تعليمي ظهر في اللغة العربية".

توسع نظم العلوم في قصائد موزونة الذي أسس له العجاج في اللغة العربية يقول شوقي ضيف "ألهمت الأرجوزة الأموية الشعراء في العصر العباسي أن يقوموا بنظم شعرهم التعليمي، كما ألهمت أصحاب النثر وضع المقامة"

وترسخ (الشعر التعليمي ) وأصبح ميدانا يتنافس فيه العلماء بعد إطلاع العرب على مثله ونظيره عند اليونان (ملحمة هوميروس) وذلك عن طريق الترجمة التي ازدهرت في القرن الأول من  العصر العباسي الأول 132 هـ  749م ) ـ ( 232 هـ 850م).

فظهرت نتيجة للعاملين السابقين معا المنظومات التعليمية كمنظومة الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفي سنة 170 هـ  786م التي ضمنها بعض معاني ووظائف حروف العطف وحروف النسق :

فانسِقْ وصِلْ بالواوِ قوَلكَ كلَّهُ         وبِلاَ  وثُمَّ وأَوْ فَلَيْستْ تصْعُبُ.

الفاءُ ناسـقه كذلك عـندنا                وسبيلها رحبٌ عندَنا مشعب.

أي حروف النسق عند الخليل بن أحمد هي : الواو، ولا، وثمَّ، و أوْ والفاءُ.

اتسعت معارف العرب العلمية نتيجة ازدهار حركة الترجمة و الاطلاع بفضلها على تراث وحضارات شعوب البلدان المفتوحة في مقدمتها اليونانية، والرومانية، والفارسية والهندية فشمل الشعر التعليمي ـ زيادة على علوم اللغة ـ مختلف مناحي الحياة  الدينية ،والفكرية والفنية ، كالفرائض، والأحكام، والتاريخ والتربية والصناعات وغيرها.

تتابع تنافس العلماء في نظم المتون العلمية فتنوعت مجالاتها وميادينها ومواضيعها منها أرجوزة منصور اليشكري المتوفى (370 هـ  980م ) في النحو (3910 بيتا).ومنظومة الحريري المتوفي سنة (512 هـ ـ1118م). "ملحة الإعراب" حتى بلغت أوجها في عصر المماليك،( 648هـ ـ1250م )ـ (923هـ ـ 1517م.) ،الذي عرف بعصر الضعف والانحطاط لضعف الشعر الوجداني والنثر الفني فيه ، ووفي المقابل أصبع نظم العلوم هو ميدان التباري المفضل للعلماء فظهرت متون مطولة في نظم العلوم كمنظومتي ابن مالك  المتوفي سنة( 672 هـ ـ1275م). (الكافية والشافية) و (الخلاصة الألفية). ثم توالت المنظومات المختلفة .

وفي النحو وعلوم اللغة راجت وشاعت منظومات الشعر التعليمي حتى بلغت عشرات المتون الشعرية  لعشرات الناظمين من النحاة . وأصبحت من ركائز تعليم النحو والصرف وقواعد اللعة العربية وعلومها في الكتاتيب والمدارس.

وفي علم قراءات القرآن نظم الشاطبي توفى  (790 هـ ـ 1388م منظومته "حرز الأماني ووجه التهاني" في القراءات السبع.

ونظرا لإقبال طلاب العلم على حفظ المتون المنظومة في مختلف العلوم خاصة في النحو تصاعد تنافس النحاة في نظمها في العهد العثماني (698 هــ 1299م )ـ(1341هـ م ـ1923 م ) فازدادت كثرة ً وإن لم تلق نفس الحفاوة التي حظيت بها ألفية ابن مالك ، ومن أشهر منظومات النحو في هذا العصر  " «المقدمة الآجُرُّومية في مبادئ علم العربية» "  المشهور "بالأجرومية " لمحمد بن عبد الرحمن بن أجروم المتوفى سنة . (672 - 723 ه) (1273 - 1323 م) ، وأرجوزة " الألغاز النحوية لعصام الدين بن عربشاه الإسفراييني المتوفي ( 951هـ ـ1544م)  ومنظومة شرف الدين العمريطي المصري  توفي حوالي( 988 هـ ـ 1580 م ) "الدرة البهية في نظم الأجرومية" ، ومنظومات أخرى في النحو وغيره من العلوم الرائجة في ذلك العصر.

 

 

الجمعة، 18 سبتمبر 2020

جنازة الأمل

جاء الحراك ؛ يريد أن يصلح الجزائريين ويسعدهم رغما عنهم، وبعد عام راحت السكرة وجاءت الفكرة، حين فرت الفرصة التاريخية ، وتبين أنه لا أحد من التعساء المستعبدين المسالمين مستعد لتغيير الحال ؛ ومعانقة الآمال ، والإجابة عن السؤال : ماذا بعد ؛ إذا كان المرض المستعمر أقوى وأعصى ، والمريض منهك ؛ أقل حيلة ؛ يحارب بلا سلاح، ودون وسيلة سرطانا مستعصيا متمكنا لا يمكن اجتثاثه إلا باجتثاث مؤلم لجزء عزيز من الجسد؟.. ماذا بعد؟! لا شيء سوى أن يسير المرضى خلف جنازات الذين كانوا يريدون علاجهم، ليدفنوهم جنبا إلى جنب أحلامهم المتساقطة بفيروس الكورونا وضربات الذين خانونا ، ورش المقابر ببذور قد تكون بينها بذرة ناضجة طمعا ،في انتظار أن تمر من هنا سحابة ممطرة .ذات خريف ، وقد... لا تمر

الجمعة، 22 مارس 2019

إذا جهرت بالحقيقة تشتغل المقصلة

 
يحكى أنّ ثلاثة أشخاص حكم عليهم بالإعدام بالمقصلة وهم : عالم دين - محامي - فيزيائي.
وعند لحظة الإعدام تقدّم ( عالم الدين ) ولما وضعوا رأسه تحت المقصلة ، وسألوه :هل هناك كلمة أخيرة توّد قولها ؟
 فقال ( عالم الدين ) : الله ...الله.. الله... هو من سينقذني وعند ذلك أنزلوا المقصلة، فنزلت المقصلة وعندما وصلت إلى رأس عالم الدين توقفت.
فتعجّب النّاس، وقالوا: أطلقوا سراح عالم الدين فقد قال اللهُ كلمَته . ونجا عالم الدين .
وجاء دور المحامي إلى المقصلة فسألوه: هل هناك كلمة أخيرة تودّ قولها ؟
 فقال: أنا لا أعرف الله كعالم الدين ؛ ولكن أعرف أكثر عن العدالة، والعدالة هي من سينقذني .
ونزلت المقصلة على رأس المحامي، وعندما وصلت إلى مقربة من رأسه توقفت ..فتعجّب النّاس وقالوا : أطلقوا سراح المحامي ، فقد قالت العدالةُ كلمتَها ، ونجا المحامي.
وأخيرا جاء دور الفيزيائي..
فسألوه : هل هناك كلمة أخيرة تودّ قولها ؟
 فقال : أنا لا أعرف الله كعالم الدين ؛ولا كلمته التي قالها ، ولا أعرف العدالة كالمحامي ، ولا كلمته التي قالها ؛ ولكنّي أعرف أنّ هناك عقدة في حبل المقصلة تمنع المقصلة من النزول؛  فإذا أصلحت أدت المقصلة وظيفتها.
فنظروا المقصلةَ فوجدوا فيها فعلا عقدة تمنعها من النزول
 ، فأصلحوها ؛ وأنزلوا المقصلة على رأس الفيزيائي  فقطع رأسه.
عن عبدالله حسن "منقول بتصرف بسيط"

الاثنين، 25 فبراير 2019

الوطن الأسير والمستقبل

.

-على الشعب أن يدرك أن النظام الفاسد الحاكم في الجزائر هو نظام فرنسي عمره مائتي عام تقريبا.

- وهو نظام من عائلات الباشغوات والقياد والزوايا والخونة والمجندين الذين قاتلوا الأمير عبد القادر وكل ثورات الشعب الجزائري منذ 1830 حتى الأن ؛ وكان هذا النظام طابورا تابعا في الجيوش الفرنسية حتى 1962 تاريخ جلاء الاستعمار المباشر وبدابة الاستعمار المقنع بقيادة وكلاء فرنسا الأوفياء الذين خادعوا الشعب وأوهموه باستقلال لم يذق طعمه أبدا وبالتالي كانت فرنسا قد خسرت كل معاركها مع الجزائريين خلال سبع سنوات ونصف لكلها بخبثها وذكائها كسبت الحرب ؛ ونصبت لفيفا أجنبيا ليمارس حكم الشعب لفائدتها ووفق أوامرها هنا ؛ رغم فداحة التضحيات التي قدمها الشعب الجزائري.

والمهام الكبرى الموكل لوكلاء الاستعمار تنفيذها من داخل الوطن المستقل شكليا وإعلاميا هي: -

1- مواصلة تفرقة وتفتيت الشعب الجزائري بتصفية أو إبعاد كل القادة الحقيقيين لثورة نوفمبر 1954م وتعويضهم بعناصر من جيشها (DAF ) ومن أبناء القياد والباشغوات والعملاء وتثبيتهم في مراكز القرار والسلطة المدنية والعسكرية ؛ وإثارة الفتن العرقية الإثنية؛ واللغوية والثقافية والجهوية؛ والدينية المذهبية؛ والصراعات السياسية والاجتماعية والطبقية وتسير هذه الفتن حسب ما تقتضيه مصالح فرنسا وأهمها إبقاء الجزائر في حالة تخلف عام وشامل يسمح لهم بمعاملة الشعب كقاصر وهمجي ومتخلف لا يحكم إلا بالظلم والفساد والقمع .

2- إبقاء الجزائر بثرواتها ساحة مفتوحة للنهب أمام فرنسا بالدرجة الأولى ؛ ثم أمام أوروبا والولايات المتحدة ؛ وأهمها المحروقات والذهب واليد العاملة الرخيصة من جهة؛ وإبقائها كسوق شاسعة واعدة أمام الصناعة والمنتوجات والسلع الرديئة الفرنسية والأوروبية الممنوع تسويقها في العالم المتحضر.

3- ضمان أن تبقى الجزائر - وشقيقتاها المغرب وتونس- معابر تعبر من خلالها القوات والفرنسية وشركاتها الناهبة إلى مستعمراتها في الساحل وإفريقيا، وأن تكون في نفس الوقت كسد واق تمنع الشعوب الجائعة التي استنزفت فرنسا ثرواتها وقدراتها من الهجرة نحو فرنسا وأوروبا. و السلطات الفرنسية ومخابراتها تتابع تنفيذ هذه المهام باستمرار وتأمر بتعديلها وتكييفها عند الحاجة حسب الظروف والمستجدات، وتسهر في المقابل على توفير الحماية والعلاج لوكلائها ولودائعهم في بنوكها ولممتلكاتهم في مدنها وفي سويسرا.

- هذا النظام يحارب الشعب منذ 1962م ليس بالسلاح فقط بل بتشويه التاريخ وتزويره وإعادة إدماج عملائه على رأس التنظيمات المدنية والسياسية والنقابية وقد تمكن منذ البداية من اختراق ما يعرف بـ (العائلة الثورية) وقضية بن يوسف ملوك كانت محاولة تصدي لإدماج أعداء الشعب في مؤسسات الدولة الحساسة لكنه فشل في تصديه ودفّعته محاولته النبيلة الثمن غاليا لأن المستعمر كان قد أعادة تأسيس تواجده في مراكز القيادة.

- هذا النظام لن يسمح أبدا ومهما كانت الظروف بتحرر الجزائر من السيطرة الفرنسية وإقامة نظام ديموقراطي فيها لأن أخطر ما يهدد مصالح فرنسا وجيوشها العاملة في الجزائر هو قيام "جزائر حرة ديموقراطية".

- هذا النظام لن يتورع عن استعمال كل الوسائل حتى تلك الوحشية والمحرمة في الأعراف الأخلاقية والقوانين الدولية للحفاظ على بقائه واستمراره.

- على الشعب أن يدرك أن لهذا النظام امتدادات عائلية وإدارية وأمنية واقتصادية وحتى شعبية تديرها شبكة من الفاسدين المنتفعين من الفساد بكل أشكاله تحميها قوانين وأجهزة وُجدت لهذا الغرض خصيصا.

- الوجوه الممسوخة التي يطل من خلالها هذا النظام على الشعب – بما فيها رأس النظام- هي مجرد بيادق وأدوات لا حول لها ولا قوة تقول وتفعل ما أمرت أن تقوله وتفعله.

- أن مواقف القوى الخارجية متضاربة بسبب الموقع الاستراتيجي للجزائر وقربها من قلب أروبا فأمريكا تخشى أن تتحول الجزائر إلى موقع متقدم للسلاح الروسي والصيني الذي يمكن أن يواجهها على الشاطئ الشرقي للمحيط الأطلسي، وهي نفس مخاوف أوروبا. بالإضافة إلى مخاطر الهجرة غير الشرعية من الجزائريين والأفارقة، وخاصة وأن الاتحاد الروسي - تسنده الصين في صمت - قد أكتسب تجربة واسعة في سوريا عسكرية ودبلوماسية مكنته من خبرة واسعة في مقارعة أمريكا وزحزحتها بعيدا عن حدوده الغربية الجنوبية وعن الهيمنة المطلقة على البحر الأبيض المتوسط وعليه فإن الصراع بين العمالقة الذين يفكرون في مصالحهم وأهدافهم الاستراتيجية دون أي اعتبارات أخرى سيكون شرسا وعنيفا على ساحة الأرض الجزائرية.

- يترتب على ما سبق أن يدرك الشعب أن إزاحة هذا النظام الغاشم المتعنت المعاند عناد الثيران والذي لا يهمه مصير الوطن والشعب ليس بالأمر السهل؛أي بمسيرة أو مسيرتين وليوم أو يومين ؛ أو لأسبوع أو أسبوعين بل عليه أن يتسلح بطول النفس ؛ والاتحاد والتوحد؛ وجودة التنظيم ووضوح الهدف :" إسقاط النظام ؛ وإقامة جزائر حرة ديموقراطية" ؛ وتحريم كل الهتافات والشعارات والتصريحات التي تفرق ولا تجمع : الدينية والمذهبية والجهوية والفئوية والتي سيعمل النظام بكل ما يملك لتسريبها في المسيرات الاحتجاجية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام العفن الذي سيسارع لنشرها عبر قنواته وقنوات الشياتة.

- على الشعب أن يوثق بكل الوسائل و ينشر مفاسد وتجاوزات وجرائم هذا النظام وجرائم أجهزته في حق الأبرياء من أبناء الشعب الماضية والحالية على أوسع نطاق وبكل اللغات الممكنة ليتفهم المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والحقوقية لواقع الشعب وأشكال القمع التي تسلط عليه خارج الأطر القانونية .

- الاستفادة من الأخطاء التي أفشلت ما عرف بثورات الربيع العربي؛ وعدم اللجوء للعنف مهما كان عنف النظام وتوحشه في التصدي للحراك الشعبي.

أن يشكل الحراك ممثلين له يبلورون أهدافه ويؤطرون حراكه الذي سيكون طويلا وشاقا بلا شك؛ لأن شر الأغبياء وعملاء فرنسا وأتباعهم سيكون مؤلما كالعادة بلا ريب.

الثلاثاء، 5 فبراير 2019

خطاب المسؤول العربي والمستعرب غايته خدعة.



بعض ما يعرفه السياسي العربي والمستعرب عن نفسه وعن خطابه الذي يوجهه إلى المواطن ويجهله المواطن- والسياسي هنا لا يقصد به عالم السياسة Politologue وإنما يقصد به الخادم للنظام المسترزق من خدماته.

يعرف السياسي أنه يهدف من خطابه إلى جر المواطن إلى مراده من خلال :

- 1خطاب بعيد عن الحقيقة وعن الواقع ومغرق في الشعارات الفارغة و في الفرضيات والاحتمالات والأرقام والنسب التي يستحيل التحقق منها والوعود الوهمية.

- 2خطاب انتقائي يشتت فكر المواطن يقفز من قضية إلى أخرى ومن موقف إلى آخر… بلا رابط منطقي ؛ مغرق في استثارة المشاعر العاطفية بالتركيز على تعابير خادعة مستغلا بخبث قداسة المصطلحات ومقتضيات مضامينها كـ: مصلحة البلاد ؛ خدمة الوطن؛ أمن الوطن؛ الدفاع عن المصلحة العامة للشعب ... وما شابه ؛ خطاب بعيد عن كل ما يمكن أن يثيرشكوك المواطن أو ينبهه إلى الهاوية التي يدفع إليها.

- 3خطاب اختزالي يركز على بعض النقاط البسيطة التي يريد المواطن سماعها فيفصلها عن الواقع ويفرغها من محتواها (الديموقراطية ؛ الأمن؛ العمل) ويضخمها ويركز عليها متناسيا الأهم منها وكأنها هي أس الوجود ويجعلها مادة للعلف؛ فإنجاز طريق ؛و بناء سد ؛ إقامة مصنع يلهي عن تضييع أمة ؛وبيع وطن، وتحطيم اقتصاد.

- 4خطاب مرائي يظهر الأسى لمآسي المواطنين ويعبر عن تضامنه معهم واحترامه لهم وهو في سريرته يتشفى منهم ويحتقرهم وليس كما يسمع من خطابأنه والدليل على ريائه هو استعداده لأن يوعز لمختلف القوة القمعية بالتدخل إذ لم يحصل من مخاطبيه على التسليم والخنوع.

– 5خطاب ترهيبي وترغيبي: وهذا عنصر قديم في فرض إرادة الحاكم وتثبيت استعباد وعبودية المحكومين وقمع المعارضين الذين قد لا تنفع معهم المؤثرات السابقة. ؛ والغالب أن يكون خطاب السياسي مهادنا وعلى قدر من الليونة إذا كانت الرعية منقادة مسالمة ولكنه يتحول إلى النقيض إاذ أحس السياسي بوجود ما يثير مخاوفه بشكل جدي.

- 6خطاب مضلل: كل العناصر السابقة هدفها تضليل المواطن وقيادته إلى ما يريده السياسي؛ وما تقتضيه مصلحته الخاصة ومصالح معسكره وأعوانه الذين يمسك بواسطتهم رقاب الشعب ويخضعه ويتصرف في ثرواته ومصيره وهو يدرك أنه لن يتردد في إلحاق الأذى وعن قصد ليس بالشعب فقط بل بهيبة الدولة التي يمثلها ويتظاهر بحرسه على حمايتها وخدمتها ؛بل وله الجرأة على التضحية بكيانها وهو يدرك أنه لن يتوانى عن تركها إذا ما تهاوت أركانها إلى دولة أخرى بها عقاراته ومدخراته المهربة .
 

  .الدائرة جلست في الساحة العمومية؛ على كرسي من كراسيها الخشبية المهترئة؛ أحادث نفسي وتحادثني، ماذا حدث حتى تكاثرت هذه الوجوه المتعبة الحزين...