الأحد، 22 يوليو 2012

رحيل السيد "الحريف"


                                     رحيل السّيّد "الحَرِّيف"

                 كان السيد "الحَرِّيف" الزند والساعد والذراع الطويلة، كان هو السيد في غياب السيد، كانت صرخة واحدة منه تجعل عمال المزرعة يتدافعون فيرفس القوي منهم الضعيف دون رحمة، فتغزوه السعادة من جميع النواحي  حين يحوز من سطوة سيده سطوة.

كان ذلك في الأيام الخوالي، ونغص عليه ذكرياته الحلوة تلك طرق على الباب.

         يحاول السيد "الحَرِّيف" الحركة ، فتتمرد ساقاه عن إرادته ،  فيهم رغم الوهن ولا يفلح ، يعاود الجلوس ـ يتنهد من أعماقه ويعيد محاولة الوقوف مستندا إلى الحائط الطيني متشبثا به بكلتا يديه، ولكن لا تطاوعه رجلاه ، وترفضان الحركة فيتهاوى في نفس المكان ، يتكرر الطرق على الباب بشكل أعنف ينبئ عن نفاذ صبر الطارق ربما نتيجة لتزايد الشعور بالغضب ، قد يكون السيد جاء يريد الأمر بخدمة.

 ولكن لم لا يكون نفاذ الصبر نتيجة لشيء آخر ؟ لتزايد القلق مثلا ، قد تكون إحدى بناتي جاءت لزيارتي ،وهي تخشى أن أكون قد مت منفردا ، إنها هي حتما ، ليتها تصبر إلى أن أتمكن من النهوض ولا تكسر الباب، وسعل ليرسل بشارة تنبئ أنه حي ، ولكنه لم يستطع أن يعد بأنه آت لعدم يقينه من قدرته على تنفيذ وعده.

ازداد الطرق عنفا ، يوحي بأن الطارق قد بدأ يفقد السيطرة على أعصابه وأنه قد يقتلع الباب من أصله ، وصار واضحا أن الطارق ليس امرأة بل سواعد مغزولة مفتولة ، وخاف أن يكون السيد هو الطارق ،ومتى كان "الحريف" يترك السيد ينتظر ، أو يطرق إلى أن يغضب : لابد أن يتمرد عن العجز ، لابد أن ينهض للقاء السيد ؛ والترحيب به ترحيبا يليق بشخصه ، فالألم مهما كان أهون من غضب السيد ؛ قد يرمي به إلى الشارع كما فعل مع الكثيرين غيره ، وعند هذا الحد نهض ، سقط ثم نهض ثانية وبدأ السير مستندا على الحائط حتى وصل إلى الباب.

فتح الباب ، دخل السيد وتفقد محتويات البيت بنظرة فاحصة ، ثم سأل "الحريف" : هل أنت مريض أيها العجوز؟

- لا يا سيدي هل من خدمة؟

- مررت بجانب كوخك هذا ، فأبصرت عندك ديكا عربيا ؛ بلديا ؛ وديكا  ، يسرح ويعبث بدجاجات الجيران في الخارج ، و سيدتك في البيت مصدورة تشكو سعالا حادا ، فهل تستطيع الإمساك به ليكون علاجا لسعالها؟.

- سأفعل يا سيدي في الحال ، وسآخذه إليها بعد أن اذبحه فلا تغضب وامض لشؤونك في رعاية الله وحفظه ، وسيكون إن شاء الله شفاء لها ، وصحة وعافية.

انصرف السيد؛ وتهاوى "الحَرِّيف "أمام الباب ككيس من قش فارغ، خاو ي العظام مسحوق الوجدان وقد نزلت به لعنة الديك يغذيها مرض السيدة.

كيف لي أن امسك بالديك وأنا على هذا العجز ؟ منذ ولدت وأنا عاجز ، عاجز عن كل شيء إلا عن إشباع رغبات السيد وتنفيذ أوامره ، وتلبية مطالبه وحاجاته ، واليوم أنا عاجز حتى عن تلبية مطالب السيد.

واستولى على "الحَرِّيف" وهن أدخله في حالة من الخدر تزيد من سريانه و لذته أشعة الشمس المتسللة نتيجة لانحراف الباب قليلا إلى الداخل.

وغفا "الحَرِّيف" ، غفا غفوة كانت أحلى غفوة يغفوها في أسابيعه الأخيرة ، لا يعلم كم دامت بالضبط.

استيقظ الحريف على رجل قوية ترفسه ، وتدفع الباب إلى الخلف حتى تلقاه الجدار .

أخبرتك أن سيدتك مريضة، وأنها في انتظارك، فنمت في مكانك يا كلب السوء.

سيدي : أنت ترى أنني مريض أيضا ، ورغم ذلك سأقوم حالا لتنفيذ ما أمرت به ،وأنا أتوسل إليك ألا تغضب ،وهدئ من روعك، روحي فداك وفداء السيدة.

وحاول النهوض في الحال، فسقط على وجهه حتى تعفرت جبهته، وحاول مرة ثانية، وثالثة...

انصرف السيد؛ وزحف "الحريف" يبحث عن الديك في المزبلة، وهو يدعو الله أن يسوق إليه صبيا من أبناء الجيران ،  يمكنه من رقبة الديك الملعون.

وفي هذه الأثناء رأى الشاب " محزوطة" يحث السير نحوه ، فاستبشر خيرا ، لكن "محزوطة" لم يمهله وألقى إليه الخبر:

- سيدي "الحاج" يرى أنك قد كبرت ؛ وقد أصبحت عاجزا ، ولم تعد تصلح لشيء وهو يأمرك بمغادرة البيت حالا ، ويرى أنني خير من يمكن له يحل محلك في خدمته ، ، لأنني نويت أن أتزوج ، وليس لي بيت يأويني ، فسآتي بفراشي إلى البيت بعد الظهر ، هذا ما أمر به السيد فتدبر أمرك.

- قال "الحريف " أمر سيدي طاعة، وقد عجزت فعلا ولم أعد أصلح لشيء، وهو حر فيما يفعل وما لا يفعل، وما يفعله حق ، وقد أحبه الله وعائلته وأفاض عليهم من النعم ما أفاض ، وسخر لهم فرنسا، فأحبتهم واتخذتهم عقلها وعينها وأذنها ويدها التي تبطش بها ،وأعزهم خلفاؤها من بعدها ، و غضبه علي وغضب السيدة من غضب الله ، وزحف لينام على حافة المزبلة ، فنسي لأول وأخر مرة السيد و السيدة والديك.

الضيف حمراوي 26/05/2009


الجمعة، 13 يوليو 2012

التفكير المرهق



الشعوب العربية شعوب بدائية.
 






التفكير في شؤون الشعوب العربية بمختلف كياناتها ،ومكوناتها العرقية والمادية والمعنوية متعب ، يشل العقول ،ويجمد الخيال ،ويدخل كل ممكن في حيز المحال. والواقع دلل على مدى قرون - ومازال يدلل- على أنها من أكثر شعوب الكرة الأرضية بدائية ،تلكم هي الخلاصة التي لا يمكن لأي عاقل استنتاج غيرها .

         هذا الحكم مجسد بالأدلة الصارخة في تشرذمها الفكري والسياسي  ، وتنافرها العاطفي ،وسلوكها اللاأخلاقي والفوضوي المتناقض والمتعارض تماما مع أبسط  مقتضيات التجمعات البشرية ،والمعاكس لأقدس أدبياتها المعلنة، ولأخص خصوصياتها المفترضة فيها؛ شعوب لا تقرأ وأول أمر نزل في دينها ، وفي كتابها " إقرأ" ، أمة تحفظ كتاب دينها وتقرأه وترتله  في كل حين ولكنها تعيش بلا دين ، أمة من مقدساتها  "أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ، وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا "" المائدة 32   وهي تعد البطل والزعيم  فيها أشدها فتكا بأهله .
     أمة ربها حرم الظلم على نفسه ،  وقضاتها أحلوه لأنفسهم ، وجعلوه وسام أحكامهم وعَلَم سلطانهم   ؛تجزيهم عليه سلطات  ضالة مستبدة ، وتقرهم عليه جحافل صامتة،  مظلومة مكلومة ، استولى عليها الإحباط واليأس ،فاكتفى بعضها  بشكوى العاجز الذليل ، الذي ضل الطريق وافتقد الدليل، و استعجل بعضها الرحيل ، مفضلا لظى النار ،وويل الانتحار ، وآلام الاغتراب وصنوف العذاب على الخضوع لسطوة الأهل الأراذل.
        أمة كانت (..خيرة أمة أخرجت للناس). فغدت أبشع أمة ابتلي به الناس،  حيثما توجهت ، وجدت سفهاءها هم قوادها وروادها؛ في الدين والسياسة، في التجارة والعمارة، في الصناعة والإدارة... و بهم وبأتباعهم ؛ امتد بلاؤها على مدى يزيد عن أربعة عشر قرنا ، وكلما خطا الزمان خطوة وتقدمت الشعوب والأمم  الأخرى في مدارج التطور والرقي ، كلما نكصت هي وانتكست و زادت  صراعاتها العنيفة الظاهرة والخفية، الداخلية ، والقطرية ،الدينية والمذهبية؛ المادية والروحية ،  الفكرية والسياسية تشعبا وتعقيدا وحدة،واشتد أذاها بتطور أساليب وأدوات القتل .
     ....    هذا الحكم مجسد في بشاعة سمعتها في العالم على جميع المستويات ،ومن خلال الكم المرعب  للجرائم الرهيبة والمجازر الوحشية التي ارتكبها ، ويرتكبها أبناؤها ضد أصولهم وفروعهم ، وضد كل من انتسب إليهم بسبب أوصلة ، ضد أبائهم وأبنائهم ، وضد أمهاتهم وبناتهم، وضد إخوانهم وأخواتهم، ضد زوجاتهم ونسائهم ، وضد جيرانهم في جميع الأقطار العربية ؛ قبل إيذاء الغريب .

        وهي جرائم -كانت ومازالت وستبقى - مستمرة عبر الحقب والأزمنة ،وعلى جميع المستويات : في  أوقات السلم ، وفي أوقات الحروب والاضطرابات، فالجميع عدو للجميع عمليا ،  والجميع يحرض على الجميع ، و الجميع ينهب  الجميع بلا رحمة ولا شفقة، والكل يغش الكل بكل الطرق والمبررات ، والجميع يسخر من الجميع ويسخره،  يستغله بأبشع الطرق ،فالمسؤول من أبناء هذه الشعوب تنحصر مسؤوليته  في رعاية الفساد والإفساد : إفساد الأجيال وتسميم الأرزاق ، وتخريب العقول وتلويث الأخلاق ،وبذل أقصى ما لديه من وسع وطاقة ينفقه  في إرهاب شعبه وإهانته  وإذلاله  وقمعه ، وإخضاعه لعصابات الأنظمة المعادية له،المتحكمة في مصيره عنوة وقهرا بحد السلاح ، الفاسدة المفسدة  التي تذوى ووتلاشى  في مناخ حكمها كل المثل والفضائل بدون استئناء  ، وتزدهر في تربة عبثها الآفات و الرذائل ،ترويها شعارات كاذبة خادعة مخدرة ،تنشرها  أجهزة، ووسائل ،ومنظومات إعلامية مسمومة  مأجورة ، مهنتها خيانة الوطن بمن وبما  فيه ، وبما تحته وعليه ، وهي في بنياتها ، ووظائفها، وغاياتها ؛ أمتداد طبيعي لإعلام المستعمر القديم والجديد، وبفضلها تمد الشرور  جذورها نحو الأعماق ، وفي كل الاتجاهات بيسر ونعومة يوما بعد آخر، ويربو السلوك و العادات الممقوتة التي بادت عند الأمم الأخرى كالكذب ،والنفاق ، والنذالة ، والخداع والسفه،والجور،والتهور، والجبن ،والأنانية والجشع،والكِبْر وغدت هذه المهلكات هي المؤهلات للمسؤولية،وهي دلائل الكفاءة والاستحقاق للإمساك بحبل السلطة والتصرف في الشأن العام ، وبذلك تتدعم وتتعزز عصابات المافيا المرتزقة والحاكمة ، البارعة  في تزوير الحقائق، وتحريف وقائع التاريخ ،وتغطية أعمال السلب والنهب والتخريب ، وتحويل ممتلكات الأمة ومقدراتها وثرواتها إلى خزائن أفرادها ؛ لإشباع شبقهم الحيواني ، وجوعهم الأبدي ،  أو إلى مصارف الغرب وبنوكه ، وقهر كل محتج أو معارض ، أو رافض .
            والمصيبة  العظمى ، وداهية الدواهي ، وقاصمة الظهور، وفاتحة فوهات المدافن  والقبور، المنبئة بالويل المقبل هي كون أفراد هذه العصابات المافياوية وجرائمها ، قد أصبحت هي القدوة والنموذج المرغوب ، والمثال المحتذى والأمل  المطلوب  الذي تتطلع إليه أجيال هذه الشعوب البدائية،على اختلاف أعمارهم وطبقاتهم  ،حتى يمكن للملاحظ أن يقسم غير آثم ؛ أن أغلب  هذه الشعوب قد أصبحت تعشق جلاديها عشق قيس ابن الملوح لليلاه ، ولا تلد إلا مجرما أوضحية.
            حكام الشعوب العربية من أبنائها وبناتها ، وأخلاق هؤلاء الحكام وسلوكهم زبدة تربية الأسرة ، والمسجد،  والمدرسة،  والتراث المكتوب ، والشفهي ؛ ولا شيء غير ذلك ،ويستحيل على من له ذرة من عقل أن ينسب فساد الإنسان العربي إلى غير هذه المؤثرات ، لأن العربي كانت هذه حاله ،  مع أهله،  ومع حكامه ، وحال حكامه مع رعاياهم منذ النشأة الأولى ،أي منذ الغزوة الأولى ، والغارة الأولى إلى اليوم.
         ولم تستطع الحضارات الإنسانية القديمة والحديثة  والمعاصرة أن تؤثر ، أو تغير قيد أنملة من حقيقة الإنسان العربي القارة ، الثابتة ثبات الجبال الراسخة  في مواقعها.
فالعصابة الظالمة التي تلغى من الوجود كل من لا ينتمي إليها، ولا يقرها على ظلمها عملا ،  هو جوهر الوجود العربي. ولا بأس في المخالفة القولية من باب التقية،والمخادعة ، وتوظيف أساليب التضليل بالقول والمغالطات المنطقية باعتبار ذلك من أسلحة العصابة.
   وشعار العصابة ؛ قول شاعرها:
إذا بلغ الفطام لنا رضيع             تخر له الجبابرة ساجدينا.
نشرب إن وردنا الماء صفوا       ويشربه غيرنا كدرا وطينا.
 ووثقه حكيمها زهير بن أبي سلمى :
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه         يهدم ، ومن لا يظلم الناس يظلم.
             ولا يذهبن بك الطمع أو النخوة الموروثة،  المغررة،  المغرورة  فتتصور أن الجبابرة ، وغيرنا ، المقصودين هنا من أمة أخرى ،أو أن الناس هم الأغراب أو الأجانب ، لأن "الجبابرة ؛ وغيرنا ؛ والناس" هم  إخوته ، وأبناء عمومته  ولا شيء وراء ذلك ، والذين يولدون كذلك بالطبع ، ولا يتغيرون ، وينشأ العربي - عرقا أو هوية - لا يستطيع أن يعيش إلا ظالما أو مظلوما،إماما متبوعا أو مأموما تابعا، ساجدا أو مسجودا له ، غاصبا أومغتصبا، قاتلا أو مقتولا، مستبدا أو مستبدا به ،سالبا لحقوق غيره أو مسلوب الحقوق ، مخوِّنا لغيره أو مخوَّنا ، مكفِّرا غيره  أو مكفَّرا، أو مستبيحا دم أخيه ،أو مستباح الدم ،  وفي أيامنا هذه ، حين تشرف الجماعات العربية  المتناحرة بطبعها ، المتخلفة بسبب توحشها ، على إفناء بعضها بعضا، تعلق فسادها وفشلها الذريع ، وعجزها عن الرقي إلى مرتبة الإنسان على الغرب، أو على المجتمع الدولي ،في حين أن السلاح الذي يتقاتل به العرب أو يستعبد به بعضهم بعضا سلاح تم شراؤه برغبة من العرب أنفسهم ، وتوسلوا وتضرعوا و رشوا وتنازلوا للغرب عن الكثير مختارين ،  وحملوا أموال الضرائب المقدمة من المواطن العربي وثرواته إلى خزائنه،سارقين لها تحت غطاء تجارة السلاح ،بعلم الرعايا الضحايا العارفين عن يقين بأن هذه الأسلحة لن تستعمل إلا في إزهاق أرواحهم ولن توجه لأحد غيرهم مهما حصل، والقاتل بها –والقتيل حتما-  لن يكون سوى واحدا منهم  هو، أبن،  أو أخ  أو عم أو.. (الشهيد –الخائن) الذي( استشهد - لقي مصرع) على يد قريبه (الوطني ،الطاغية –المجاهد، الإرهابي) ؛ الطامع بدوره في نيل الشهادة وكلاهما سيدخل الجنة خالدا فيها) ، أصالة أو بالنيابة - حين يقتل كل قاتل في منطقته – بمبررات تافهة يتم اختلاقها لتبرير الجريمة، تحت رقابة عدالة منهم يجتهد أفرداها كي يلووا عنق القانون كي يتطابق مع طباعهم الخارجة عن القانون.
               وهذا الواقع البشع يقرر الحقيقة المرة وهي أن  كل من يطمع  في أن يتحضر الكائن العربي ويرقى إلى رتبة الإنسان:  بمعنى أن يتصف بالعدل والنظافة، والأنس، والرحمة، والأخوة  يكون كمن يطمع في اصطياد العنقاء.
             وعوض أن يحاول الانسان العربي كفرد وجماعة الاعتراف بتخلفه ، وفساد تفكيره ، وسلوكه ؛ ويقر ببشاعة جرائمه التي اقترفها عبر هذه المدة الزمنية الطويلة   ومازال يقترفها ،  في حق نفسه ،وفي حق أهله وبني جنسه ، وفي حق الطبيعة التي ألقى به الله فوق ظهرها ليعمرها فدمرها وأقفرها،حتى غدا أسوأ المخلوقات البشرية،  وغدت التجمعات العربية أبأس التجمعات  ، و عوض أن يكف عن ترديد نصوصه ، ومقولاته  المهترئة التي لم تعد تقنع حتى البهائم ،تجده سادرا في غيه ، معتزا بفساده ، باحثا عن المبررات.
              إذ زعم أحدهم مستنكرا رأيي هذا في العرب - وهو يقدم تبريره ؛  وكان في حقيقة الأمر؛  يعبر في نفس الوقت عن رأيه وعن ضمير جمعي مريض قار في ذهن الأمة كلها - مفاده أن لاغرابة في تقاتلنا ،ووحشية علاقاتنا ،وخلو سلوكنا من كل قيمة حضارية  لأن أوروبا نفسها قد مرت بمثل هذه الأوضاع ؛ وشهدت شعوبها مثل  هذه الحروب ،  ورغم أنه  لا أحد ينكر عنصر الصراع بين الأفراد والجماعات باعتباره أحد مكونات الوجود ، ولا أحد بوسعه أن يزعم ان الشعوب الغربية ومجتمعاتها مثالية أو ملائكية يخلو تاريخها من السواد ،وتخلو سجلاتها من الجرائم، إلا أن  ذلك كله حين نستعمله لتبرير ما نفعله بأنفسنا  يغدو في ذاته جريمة ، ومغالطة منطقية كبرى تدفع بنا في هوة سحيقة من العدمية لأن الأحداث التي شهدتها أروبا والغرب  كانت مبررة بظروف تاريخية لها معاني وقيم في حينها ، وكانت لها نتائج وثمار بعد انتهائها منها على سبيل المثال لا الحصر  ظهور مفهوم  القومية، والوطن بحدوده الثابتة القارة ، والدستور ، وسيادة القانون ، والمساواة بين المواطنين ، والحرية ...كما أن حروب أروبا وصراعاتها العسكرية والسياسية كانت  نتيجة وسببا في ذات الوقت  لتطور علمي،  وصناعي،  واقتصادي، وثقافي ،  ولاكتشافات جغرافية ، وفلكية ؛ ونشوء أنظمة ، ومؤسسات لم تكن موجودة من قبل وما كان لها أن توجد لولا هذه الحروب  وبالتالي فهي حروب تجد تبريرها في الحتمية التاريخية ـ أما الحروب والمظالم العربية فهي حروب ملعونة تقوم على المآسي ، وتنجب المآسي ، وتورث المآسي  في البيت الواحد ، ولأفراد العائلة الواحدة ، والدين ، وتقوم بدون مبررات معقولة ، وتنتهي إلى اللاشيى إذ سرعان ما يتحول الثائر المنتصر إلى فاسد أبشع ألف مرة من الفاسد البائد .
  إذن فالعقلية العربية حين تبرر حروب أبنائها وتقاتلهم فيما بينهم  ، بأنها أمر عاد   مثلها مثل حروب بقية شعوب الأرض الأخرى وأممها  التي تتدافع  كما  اقتضت سنة الله في أرضه ، وحين تتأسى بأن الأمم الأوروبية نفسها سبق لها أن خاض بعضها حروبا ضد البعض الآخر،  تبرير بائس بليد ، لأن سكان  أرويا أجناس،  وأعراق مختلفة ، مساحة أراضيها قليلة ، وثرواتها ومواردها شحيحة ،  ومناخها قاس ، وأكبر حروبها  أعني  الحرب العالمية الثانية ( 1 /09/ 1939 م -  08/05/ 1945م)  كانت حرب عرقية سعى فيها العرق الألماني الآري بقيادة زعيمه أدولف هتلر إلى محاولة بسط سيطرته على باقي الأعراق الموجودة هناك ؛ثم نطورت الأمور وافلتت وخرجت عن التحكم  وكانت النتيجة 62 مليون ضحية.
لكن في هذه الحرب المريرة لم يقتل الألماني أخاه الألماني ، أو الإنجليزي أخاه الإنجليزي ، بل كان العرق الألماني برجاله ن ونسائه ، وأطفاله  يخوض حربا ضد أعراق أخرى يريد أبادتها ليستولي على أراضيها وأموالها وليسخرها لخدمته ،او يتخلص من أذاها  ، أما العربية فهو يقتل نفسه ، عرقه ، دينه يقتل والديه ، وأبناءه وإخوته وبدون هدف لأن الأرض بيده وهو فوقها ،ولأن تسخير الآباء والأمهات والأهل والجيران  أمر غير معقول ، بل سخيف يأباه حتى الحيوان.وحتى الكلاب لا تصل في( تهارسها) هذا الحد من الهمجية والتوحش

الثلاثاء، 10 يوليو 2012

حـــــــزن علوش الطيب


حـــــــزن علوش الطيب
       قال السيد علوش : وتشجعت فغامرت ، وأنفقت كل ثروتي الضئيلة ، وكامل جهدي  في فلاحة "الدلاع" ، ووفق الله ؛  فجاء المنتوج وافرا ، رائعا،  مغريا  ، وانتهى الموسم .
       وتجمعت الملايين تحت يدي فجأة ، فتغير طعم  الأشياء ، وأصبحت أكثر بروزا ، تعرض نفسها علي  بإلحاح ، وتلمست نفسي -لأول مرة - معنى  العزة والتمنع والتأفف ، وبدا الفضاء أكثر رحابة ،   زاهيا بلون الورد ،  يفجر الفرح في أعماق الصخور الصماء ، وغدوت أخرج كل يوم من البيت مستغنيا عن البشر ، مستقبلا يومي بشوق  ، مأخوذا بجمال الطبيعة الذي كان محجوبا عني ، لم أكن من قبل – قبل أن استعيد كرامتي المهدورة - أشعر بأي علاقة   تربطني بقريتي ، وساكنيها ،  كان الناس من حولي يقومون بأدوارهم في هذا الكرنفال  الأبدي   ،طائعين راضين كالأنعام ، يمسكون بطونهم الخاوية ، و يهزون رؤوسهم الفارغة  على عادة الدراويش وهم يصفقون و يتغنون بالوطن والثورة والثوار ، ويرقصون في فوضى  على إيقاع أغاني الراي التالف ، بمناسبة وبغير مناسبة ، يعتزون بالتاريخ ، وباللغة والحضارة ، ويدفعونني من طريقهم  صارخين ابتعد ، يا علوش الخامل  الأبله ، ابتعد أيها التافه  ، ولم أكن أفقه أي معنى  لأقوالهم .
          صرخ الشيخ  في علوش : علوش مابك ؟ أنت تهذي ،  هل تشعر بالحمي؟ ومتى سقطت؟  انهض حاول أن تنهض.
تجاهل علوش  كلام الشيخ ، وواصل حديثه إلى الشيخ نفسه.
أيها الشيخ : كنت –بعد أن أغناني الله-  آخذ كل يوم مبلغا  من المال ،أوزعه على جيوبي ، وأسير في دربي هذا بثقة ؛  نحو الطريق المعبد المؤدي للمدينة ، كنت في دربي أدوس على الحجر الصوان الأصم ،فاسمع تصدعه تحت رجلي، وهو يتفتت ،  يطحن ،يسحق ، أرفع رجلي وألتفت ورائي فإذا هو غبار تذروه الريح عابثة.
أنت يا علوش ، أنت تضع رجلك على الحجر فينسحق؟.
        نعم ، أنا كنت أضع رجلي فوق الحجر الأصم فينسحق ،حين كانت الملايين تحت يدي. – وواصل وقد نسي الشيخ بجانبه تماما - أصل المدينة ، أطوف بأهم مقاهيها ، أقف متباهيا بمدخل كل مقهى ،وأتلذذ بنظرات روادها لجغرافيا جسمي الضئيل  المبجلة، داخل البذلة الجديدة، أخرج علبة سيجارتي ، ثم الولاعة ، أعرضهما كما يفعل الساحر؛   كي يراهما الحاسدون والطامعون ، الذين يرفعون أيديهم بالتحية كما يفعل المودعون، وكما يفعل كل صاحب مقهي  أقف على عتبة محله منتفشا كالديك المغرور ، يحييني ويقبل نحوي ، ألج متغطرسا ، أدفع متكرما أثمان مشروبات من ارتضيت من الرواد ،وأنصرف مشيعا مشكورا ، وهكذا كنت أمر بكل مقهى من مقاهي المدينة  كلبا يتبول بأصول شجيرات محددا بها  معالم مجاله الحيوي ، مثبتا بجذورها رائحته ،  ويزداد ثقة برسوخ مملكته  حين يلقى أهل البيت، فيتمسح بأرجلهم  ويشعر بالأنس ويغمره الفرح.
           وكما جاءت الملايين  بسرعة ذابت بسرعة ،تسربت من بين أصابعي قبل أن أفيق، وحين أفقت  وجدت نفسي وحيدا ، وقد تقلصت الأشياء من حولي ،  وخبت ألوانها وتداخلت ، وأصبحت مساحة الكون لا تتسع لحافتي الدرب أمامي ، والدرب لا يتسع لموقع رجلي ،  وعسر على المشي  ،  وأنا الآن علوش الأبله الفقير،المملوء بالحزن ، المشحون بالندم ،  أخرج من بيتي فارغ الوفاض ، تاركا ورائي بطونا يعصرها الجوع ،خدعتها لفترة ، لأن الحياة خدعتني ،أدب سالكا نفس الدرب  نحو المدينة  ، منهك القوى متعثرا،  متجنبا الدوس على الحصى خوف أن يختل توازني  فأترنح وأهوي على وجهي ، وفي غفلة مني ،  تعلق برجلي قشة من خشاش الأرض  ،تقذفني بها الريح ؛ فتفقدني توازني  فأسقط ، ويتعفر وجهي ، أمسحه بيدي العاجزة حد الشلل  وأقول : أروع المتع هي التي تأتيك صدفة وتغادرك في غفلة ودون استئذان ،قال الشيخ: ثم تمدد علوش وأسلم الروح.
الضيف حمراوي 10/07/2012


القول ما قالت حذام

  قا ل ، وروي ، والقول ما قالت حذام مع افتراض صدق النية، وسلامة الطوية ، فإن البصر بطبيعته كثيرا ما يخدع ، فيوقع الإدراك في الخطأ، فينقل ال...