السبت، 29 نوفمبر 2014

الحياة كما رأيتها.

 
 المظلومون الأبرياء؛ والسذج ،والطماعون والضعاف الأنقياء يتغنون دائما بمقولة : الحق يعلو ولا يعلى ، والتمسك بالأخلاق فضيلة، ويعيشون على ذلك حتى يدفنوا .
 أما الواقع والأقوياء ؛ فيتغنون بمقولة : القوة تسحق الحق ، وتمحو القانون، وتستهزئ بالأخلاق  ، ويعيشون على ذلك حتى يموتوا أقوياء، ولكل شيء استثناء فلا تغتر بما شذ.

الخميس، 13 نوفمبر 2014

النزعة الانسانية


النزعة الإنسانية L'Humanisme -

اتجاه فكري وفلسفي وأدبي وفني " يضع الانسان والقيم الانسانية فوق كل القيم الأخرى" ناتج عن تطور الفكر الغربي الذي لاحت تباشيره مع  البدايات الأولى لعصر النهضة بين أحضان المذهب الكلاسيكي ،و" يسعى المذهب الإنساني خاصة إلى جعل الانسان أكثر إنسانية(...)؛ إنه يطلب من الإنسان أن يطور في نفس الوقت الطاقات الكامنة فيه، وقدراته على الإبداع، وحياة العقل ، وان يعمل على خلق أدوات محررة من قوى العالم الطبيعي ، وبهذا المعنى، لا ينفصل المذهب الإنساني عن الحضارة أو الثقافة"[1].

و" عظمة الإنسان في عزمه على تجاوز وضعه"[2]

 .تطورت النزعة الإنسانية  واتضحت وتحددت أطرها كتيار متميز مع ازدهار المذهب الرومانسي الذي تبنى معظم مبادئها واستمرت تغتني في كل عصر بقيم جديدة ؛ وتلقى قبولا من طرف الأدباء والمفكرين والعامة ، وتنعكس في المذاهب المستجدة  التالية في مختلف الأقطار الأوروبية.

 
وكانت إيطاليا بفضل أدبائها ؛ في مقدمتهم بترارك ( 1304م- 1373م)  ثم بوكاشيو (1313-1375م). في طليعة الدول التي ظهرت بها الإرهاصات الأولى  للنزعة الإنسانية من خلال محاربة  بقايا الظلامية ومختلف مظاهر التخلف التي كانت سائدة في العصور الوسطى في معظم أصقاع أروبا وأقطارها المترامية . فقد  آمن بترارك بالثقة في الإنسان وبقدرته على تجاوز "سم العبودية القديم"  والمتغلغل في وضعه الراهن إلى وضع  أفضل وأحسن باستمرار. كما آمن بقدرة العقل الإنساني على تجاوز المتناقضات القائمة والمستجدة  وما قد يبدو أنه تعارض بين السماوي والأرضي وكل هذا يظهر ثقته في الإنسان.

 وتجذرت هذه المبادئ شيئا فشيئا بين جدران الجامعات والأكاديميات  المنتشرة بالمدن الإيطالية وعلى رأسها "فلورنسا" بفضل تعزيز علاقة الفكر والثقافة الإيطالية بالفكر اليوناني والروماني القديم الذي شكل عظمة الإمبراطورية روما القديمة التي كانت تبسط سلطانها على كامل سواحل البحر المتوسط. و وازدادت مصداقية هذا التيار عند الغربيين بعد سقوط القسطنطينية آخر معاقل روما البيزنطية "الشرقية" على يد الأتراك (1453م).

فر علماء القسطنطينية ورهبانها إلى إيطاليا حاملين معهم مصادر التراث الإغريقي اليوناني الروماني القديم، كتبا ومخطوطات، وقيما ،وعادات ومنها راحت تنتشر في بقية الأقطار الغربية. وكانت هولندا ثاني بلد برزت فيه النزعة الإنسانية بفضل بفضل فنانيها وعلى رأسهم الرسام إراسم (1467-1536م) ،

يعتبر إراسم  واحدا من أهم الذين مثلوا النزعة الإنسانية ،وعمل على تحطيم طابوهات الفكر الكنسي المتسلط في الغرب المسنود بتلسط الإقطاع واستبداد الأنظمة. وجاهر بقناعاته  التي جسدها في لوحاته  والتي يرى من خلالها أن مكانة الإنسان لا تقل حرمة وقداسة  عن معبودات الكنيسة والاديان ومقدساتها. وأن الإساءة إليه والحط من شأنه جريمة في عنق المسيء بغض النظر عن مكانته.

 
 أثمرت جهود الإنسانيين دعوة صريحة واضحة  إلى البحث عن تعريف جديد وتصور جديد للإنسان ، ولقدراته ولدوره في الحياة كفرد ،و كيان قائم بذاته، حر له حرمته ،  وهذا الإدراك حتم على الأدباء مواجهة المجتمع  والسلطة والكنيسة  بالنقد  والتوجيه والحث على ضرورة  احترام الفرد  واستقلاله و تعليمه وتثقيفه وتكوينه وتدريبه ، وانعكس ذلك في مناهج التربية والتعليم جون جاك روسو وفي مختلف الفنون الأدبية ،وفي فن الرسم والنحت والعمارة ،  وقد ساعد تطور العلوم  وتقنياتها ومناهجها وعامل التأثير والتأثر بينها وبين مختلف الفنون الأخرى على  تشكيل تصور جديد للكون  وبنيته  وتنوع عناصره ومن بينها الإنسان.

على أساس محوري هو اعتبار المعرفة هي جوهر الوجود الإنساني، وكل حرمان للفرد منها ؛ حرمان له من حقه في الوجود، وتعد على الإنسانية برمتها.

وقد استفاد الإنسانيون أو 'الإنسيون' من التقنيات العلمية التي انتجتها الثورة الصناعية ، ولعبت دورا كبيرا جدا في  بلورة وتطوير النزعة الانسانية. فالنهضة الصناعية وعلى رأسها الطباعة (غوتنبرغ ، 1468م) ساهمت بقسط كبير في ترسيخ وتوسيع  هذا التيار في المجالات الفكرية الفلسفية والأدبية الفنية ؛ إذ سمحت الطباعة بانتشار الكتب والمكتبات والصحف والمجلات والدوريات مما سهل انتشار الأفكار وتلاقحها وتقريب بعضها من بعض ، واكتشف الناس –خاصة في المجتمعات الأوربية- أن ما يجمع البشر أكثر مما يفرقهم رغم اختلاف لغاتهم وثقافاتهم ومذاهبهم وأعراقهم.

 
كما لعبت الطباعة دورا كبيرا في بعث التراث اليوناني الإغريقي والإنساني؛  وفي إنقاذ ملايير المخطوطات بمختلف اللغات ؛ ومن مختلف الحضارات  ، حين ساعدت على طباعتها ونشرها ، وسمحت بالاطلاع عليها و بتحقيقها والاستفادة منها ، وفي مقدمة التراث الإنساني القديم الذي  استحوذ على اهتمام الأوربيين ؛ كان التراث والفكر والفن اليوناني الإغريقي ح ، باعتباره يمثل عصارة ما أنتجه أسلافهم ، وقد كان لسقوط القسطنطينية ، عاصمة البيزنطيين –روما الشرقية- بيد الأتراك سنة 1453م وفرار العلماء البيزنطيين منها  نحو إيطاليا وحاضرتها الكبرى آنذاك  فينسيا  ، و نحو بعض العواصم الغربية الأخرى مثل النمسا ؛جالبين معهم  الكتب والمخطوطات القديمة  أثره في ظهور وتأطير تيار النزعة الإنسانية ، إذ اكتشف الإيطاليون ، ثم بقية  الطبقة المثقفة  في الغرب بعد ذلك ، أن ما كتبه اليونانيون والإغريق أرقي بكثير من فكر العصور الوسطى ، وأن اهتمام اليونان بالإنسان وبمكانته في الكون متقدم على تصور الكنيسة ورجال الفكر في العصور الوسطى ، وأن من مصلحة الإنسانية  إعادة قراءة التراث اليوناني الإغريقي بكل مكوناته الفلسفية والأدبية  والفنية والتاريخية والعلمية منبهرين بمؤلفات ارسطو ، وافلاطون ، وهوراس وبلاتون، ويوربيدس.

 
 إذن النزعة الإنسانية هي حفنة من بذور الخير؛ سلمت من طاحونة الشر والتوحش؛ كانت مبعثرة في مختلف حواضر العالم القديم؛ حملتها رياح التاريخ وتياراته المتلاطمة معجونة بآلام البشر عبر مخلفات الحضارة الإغريقية الرومانية ، وبعض الجوانب المضيئة في الديانات المختلفة.

 
واستمرت الحياة كامنة بها حتى  وجدت التربة الصالحة للإنتاش ؛  في عصر التنوير الأوروبي؛ بفضل ما هيئته لها قلة من الرجال الذين غلبت على نفوسهم نوازع التحرر؛ والخير؛ والحب والجمال ؛ على نوازع الاستعباد والشر والكراهية والقبح ؛ ثم جاء عصر النهضة الأوربية. فأغراها نوره فأورقت وأزهرت فأعجبت الناظرين.

 
وكان من بين رواد الدعوة إلى النزعة الإنسانية كتيار له  أسس فكرية وجمالية وسلوكية منسجمة ، الأديب الفرنسي رونسار (1524-1585م) الذي لعبت شهرته دورا بارزا في التبشير بالمبادئ الأولى المؤسسة للنزعة الإنسانية العالمية، وغدت  العاصمة باريس مركز إشعاع خلال الثلث الأخير من القرن السادس عشر.

 
وساعدت الثورة الصناعية  ومن أهم مخترعاتها القطار البخاري (استفنسون 1814م). على مد خطوط السكك الحديدية  واستغلال الطاقة البخارية في تسيير القطارات بين مختلف البلدات و المدن والعواصم الأوربية ، وتم بفضلها تقريب المسافات و تبادل ليس السلع والمنتوجات فقط ، ولكن الإنتاج الفكري والأدبي والفني  أيضا ؛ إلى جانب تنشيط السياحة ، والملتقيات العلمية  ،والمهرجات الفنية ،والصالونات والنوادي  الأدبية.

 
ثم جاء عصر النهضة الذي شكل نقطة انعطاف كبرى في تاريخ أروبا ، فوطد العلاقة بين أقطارها المهمة المؤثرة في العالم في تلك الفترة : إيطاليا وفرنسا وإسبانيا  والبرتغال وانجلترا وهولندا وألمانيا وبولونيا.

 
وكانت أولى جهود الأدباء والمفكرين من دعاة النزعة الإنسانية تتمثل في  العمل على التصدي  للفكر الذي كان سائدا في القرون الوسطى وقطع كل صلة للمجتمع  به، وهو الفكر الكنسي واللاهوتي الذي يجعل مصير الإنسان خارج إرادته فهو مقدر ومقرر بيد الألهة سلفا ،وما على الإنسان إلا أن يكابد ما قدر له.

 

أسس النزعة الانسانية.

 

 رغم الاختلافات  الكبيرة التي نتجت عن تطور الأفكار عبر ما يقارب 27 قرنا ، ورغم الاختلافات الطفيفة بين الأقطاب المؤسسة لتيار النزعة الانسانية الحديثة والمعاصرة إلا أن جميعهم  يستند على جملة الحقائق يمكن إجمالها في:-

 
-1الإنسان محور الكون ببعديه : طبيعيته وتميزه

الطبيعية : الأنسان جزء لا يتجزأ من الطبيعة ومن الكون لا تحتوي طبيعته وتكوينه  على اي ميزة مفارقة للطبيعة او فوق طبيعية وكل مدركاته هي  محصلة تراكم تجاربه وخبراته المشتركة  عبر الزمن مهما كانت او اختلفت مظاهر وكيفيات تجسدها وفقا لما تفتضيه الظروف والامكنة والازمنة والاجيال وحاجاتها ,ومهما اختلفت التسميات او المصطلحات التي تسمى بها.

 التميز: فالإنسان رغم طبيعته الحيوانية التي لا جدال فيها ، إلا  أنه الوحيد الذي استطاع أن يظهر وعيا نقديا  ,أن ينشئ ويراكم معرفة  ويشكل ثقافات وأن يطورها  وهذا مصدر كاف جعل النزعة الانسانية تمنحه هذه الأهمية المتميزة ضمن المخطط الكبير للكون ولأشياء.

هذا التميز ضمن المخطط تبعه يقوم على ثلاثة أدوار خارج متناول الحيوانات الأخرى هي: دور العارف، دور الفنان الصانع، دور المتسامي أخلاقيا.

 
 2- الفردانية:" نزعة تجعل من الفرد مقياس عديد من القيم الكونية"[3]  وكان الهدف من هذا المبدإ في المراحل الأولى تمكين الفرد البرجوازي من استعادة كرامته من الأرستقراطي  المتغطرس المستهتر بكل من هو دونه منزلة ، وافتكاك حريته الشخصية  وهو ما تحقق فعلا بعد عصور ، وقد أحسن المارشال ريشيلو التعبير عن ذلك حين كتب إلى لويس السادس عشر" في عهد لويس الرابع عشر لم يكن أحد يجرؤ على فتح فمه ، وفي عهد لويس الخامس عشر كان كل شخص يهمس ، أما الآن فكل شخص يتكلم بملء فيه ، وبحرية وسهولة تامة " [4] وقد حصنت كرامة الفرد بعد ذلك بموجب الدساتير ، والقوانين  في الدول المدنية الحديثة ، وعنها انبثقت العديد من المبادئ غطت مجالات مختلفة منها "دعه يمر ، دعه يعمل"

3- حرية الإنسان : يرى بيك دي لامروندول Pic de la Mirandole (1463-1494م)  في كتابه " كرامة الإنسان " أن الله قد حدد مصائر جميع المخلوقات  في الكون وحد من قدراتها على التصرف في حيواتها إلا الإنسان؛  خلقه وزوده بمؤهلات وقدرات لا حد لها ؛ حرم منها كل عناصر الكون الأخرى ؛ وألقى به في أحضان هذا الكون الشاسع  ، وترك له أن يحدد مصيره بنفسه كما يريد ،وحمله مسؤولية أفعاله  ,بعد أن ترك له  حرية التصرف في حياته وفق رغباته ؛  فبمقدوره أن يرقى إلى مصاف الملائكة إن أراد ، وله أن ينحط إلى درك الشياطين إن أراد. فهو صانع ومالك مصيره بمحض إرادته؛ وجل الفلاسفة والأدباء والمفكرين  الإنسيين كانوا ولا يزالون يقبلون هذا الطرح.

 
4-الإيمان بأن الإنسان قيمة في ذاته ولذاته :  وحجر الزاوية في هذا المبدإ هو رفض وإدانة التمييز العنصري والطبقي بكل أشكاله ، والنظر إلى الإنسان مهما كان وكيفما كان باعتباره أحق الموجودات في الكون بالاحترام والتبجيل والرعاية ، بغض النظر عن عرقه؛ أو لونه ؛ أو جنسه ؛ أو عقيدته ، أوسنه ،أو منزلته الاجتماعية ، فكل ما في الكون أداة ، والإنسان هو الغاية.وأنعكس هذا في الشعر والنثر في بداية الأمر بشكل محتشم " الفارس والراعية" ثم صار نضالا شريفا وبطوليا  في سبيل استرداد قيمة الإنسان "البؤساء لفكتور هيجو".مع التنبيه إلى أن هذا مطلب مثالي ، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله.

 
5- الثقة بمعرفة الانسان : وبقدرته على التميز بين الحقيقي والمزيف ، والخير والشر ،والحق والباطل دون حاجة  إلى الاستعانة بالنصوص المقدسة (الوحي)..وقدرة العقل البشري على انتاج معرفة تمكن الإنسان من فهم الطبيعة وفك  ألغازها ، وكشف أسرارها  والسيطرة عليها وتسخيرها لفائدته و تحقيق السعادة للإنسان. هذا في مواجهة المشككين من دعاة فصور العقل والقدرات الإنسانية كرجال الدين وأتباعهم  الذين لا يتحركون إلا بوحي من السماء ، أو كالعلمانيين الذين يزعمون أن الإنسان حبيس قوى فيزيائية وبيولوجية  وثقافية اجتماعية.

 
6- مصلحة الانسان وسعادته: النظر إلى؛ والحكم  على الاشياء والمواقف والسلوك بمعيار تمركزها حول حاجات الإنسان و مدى إسهامها في تحقيق مصالحه الفردية والجماعية وترقية وتحسين شروط وجوده المادية والروحية.

 
7- حق الانسان في العلم والتربية : لأنه إذا كان الإنسان محور الكون ؛ فإن جوهر الإنسان هو مقدار ما يتاح له ؛ وما يحصله من معرفة ؛ ومن وعي بذاته وبالكون ؛ومن فنون وصناعات ؛ والتعليم هو السبيل الوحيد إلى إطلاق طاقات الإنسان الفكرية والإبداعية ،وحرمانه من ذلك حرمانه من أخص وألصق حقوقه بعد الحق في الحياة.

 
8- التصدي لمحاربة تعاسة الانسان ومسبباتها: بحماية حقوقه الأساسية ، حقه في الحياة بكرامة ، حقه في حرية الاعتقاد وفي الرأي وفي  التعبير عنه...وحمايته من الفقر والجوع والمرض ومسبباتها  ومن الحروب والنزاعات والكوارث.

 
9- حتمية التواصل وقبول الأخر المخالف : ترى النزعة الإنسانية أن الإنسان واحد ؛ وإن اختلفت أعراقه وألوانه وأديانه وثقافاته ؛ وتعارضت مصالحه الفئوية أو الجهوية مؤقتا ،وهو اجتماعي بطبعه ؛ ومن ثمة فإن التواصل العاطفي والروحي بين الأفراد والجماعات والشعوب ضرورة اجتماعية وإنسانية  لردم الهوَّات التي حفرها عدم الاتصال  الطويل؛ والحروب المتتالية ؛و المفاهيم  والتصورات الوهمية والخاطئة  والسلبية التي كونها كل شعب عن غيره ؛والتهيؤ لمواجهة نتائجها.

 
10- المساواة بين البشر: فوحدة الجنس البشري  تحتم وحدة المقايسس التي يعامل على أساسها  ، ومقياس التفاضل الوحيد هو مدى التزام الفرد بترقية ذاته وإفادة مجتمعه ، والعكس صحيح فالمجتمع الصالح هو الذي يسهر على تحقيق نمو الفرد الجسدي والروحي في حرية ويساعده على ترقية قدراته ويعمل على إسعاده ولا يوجد مقياس آخر للمفاضلة يستند إلى العرق أو الجنس أو الدين أو المنزلة الاجتماعية.

 

 




- جلال الدين سعيد ، معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية، دار الجنوب للنشر ، تونس ، 2004 ، ص 66 [1]
- نفس المرجع ،ص 67[2]
[3] - سعيد علوش –معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة ، دار الكتاب اللبناني ،1985 ص 160
[4] -  أرنولد هاوزر، الفن والمجتمع عبر التاريخ ،ترجمة فؤاد زكريا ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ط2 ، 1981 ج2 ص11

الجمعة، 7 نوفمبر 2014

النزعة الإنسانية في الشعر العربي المعاصر



الدرس : النزعة الإنسانية في الشعر العربي المعاصر  لمعاوية كوجان. ص52

 المرجع : اللغة العربية وآدابها  للسنة الثالثة من التعليم الثانوي. للشعب العلمية والتقنية.

المحور الثالث:

الكفاءات المستهدفة :

-         استنتج بعض مظاهر التجديد في الشعر العربي الحديث.

-         أكتشف النزعة الإنسانية في الشعر المهجري.

-         اتبين مفهوم الوحدة العضوية.

والمحتويات الموظفة كوسائط وأدوات لتحقيق هذه الكفاءات هي :

 تمهيد : خصائص الشعر العربي في العصر الحديث ، يتلوه:-
النص الأدبي ، قصيدة " أنا" للشاعر المهجري إيليا أبي ماضي ، ثم 
 النص التواصلي موضوع حديثنا التالي.

نوع النشاط : النص التواصلي. المدة ساعة.
الفئة المستهدفة : تلاميذ أقسام السنة الثالثة رياضيات وعلوم تجريبية وتقنية من التعليم الثانوي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النص.
إذا تأملنا شعرنا العربي وجدناه يزخر على امتداد عصوره بأشعار تطفح بالمشاعر الإنسانية النبيلة الصادقة طارت لها شهرٌة في الآفاق، وأولاها الباحثون والدارسون اهتما ما وعناية خاصين. وإحصاء تلك الأشعار أ مر عسير نظرا لكثرتها، ولعلّ ضرب بعض الأمثلة كاف للإشارة إلى تلك النزعة الشعورية الراقية. أذكر في هذا المضمار قصيدة ابن الرومي في رثاء ولده التي يقول فيها:

بني الذي أهدْته كفَّاي للثرى                           فيا عزة المهدى ويا حسرة المهدي !

عجبت لقلبي كيف لم ينفطر له                       ولو أنه أقسى من الحجر الصلد

وفي هذا السياق نتذكر رثاء المتنبي جدته، ورثاء جرير زوجته، ورثاء محمود سامي البارودي أم أولاده :

يا دهر فيم فجعتني بحليَلة                            كانت خلاصة عدتي وعتادي

إن كنت لم ترحم ضناي لفقدها                        أفلا رحمت من الأسى أولادي

أْ فردَتهُن فلم ينمن تَو جعا                            قرحى العيون رواجف الأكباد

لو كان هذا الدهر يقبلُ فدية                            بالنفس عنك لكنت أولَ فاد

وكذلك رثاء شوقي جدته. إًذا تلك الأشعار في أغلبها كانت صادرة عن نفس مفجوعة بقريب لها ذي رحم، أما الأشعار التي تتناول الإنسان كائنا له منزلته، تصور آلامه وتبلور أحلامه وتبرز إحساسه، فأشعار قليلة بالمقارنة مع بقية ضروب النظم وأغراضه في شعرنا العربي لاسيما الحديث كقصيدة "الشريد " لعلي الجارم وقصيدة إيليا ميخائيل نعيمة " النفس الشقية " . واحد من - ولعل الشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي(1875-1945م) قلة من الشعراء الذين نزعوا في شعرهم هذه النزعة الإنسانية الصادقة الفياضة بالتعاطف والتألم والتفجع بمآسي أولائك المعذبين البائسين، والتطلع إلى تخليصهم من آلامهم ومواساتهم في محنهم وأزماتهم نجد ذلك النزوع بارزا في قصائده " أم اليتيم "، "المطلقة " ، " الأرملة المرضعة " ، " اليتيم في العيد " ،"دار الأيتام "،" الفقر والسقام "، " اليتيم المخدوع "، " ثالثة الأثافي "، أم الطفل في مشهد الحريق " . وتتبلور نزعة الرصافي في أساليب كثيرة. فهو يرسم الشخصية المتألمة من الخارج فيصور تلك الشخصية، ملابسها، شحوبها، دموعها، صوتها، مسكنها، عويلها..، وصفا دقيقا كأنه الصورة الفوتوغرافية. من ذلك وصفه الخارجي لليتيم في قصيدته " اليتيم في العيد"

صبي صبيح الوجه أسمر شاحب                                نحيف المباني أدعج العين أنز ع

ويرسل من عينيه نظرَة  مجهش                               وما هو بالباكي ولا العين تدمع

له رجفة تنتابه وهو واقف                                       على جانب والجو بالبرد يلسع

وهو ينفذ إلى أعماق تلك الشخصية البائسة المنكسرة المحزونة، يبلور ما تحس به ويستخرج ذلك الركام من الأحاسيس المفعمة بالمرارة والكآبة والألم والضنك والأسى في سياق شعوري متناغم مع ذلك الوصف الخارجي.. فمن قصيدة "أم الطفل في مشهد الحريق"، يسمعنا الشاعر أّنات وعويل أم احترق طفلها في حريق شب فلم تبق ناره ولم تذر، فما كان منها إلا أن أخذت تولول وتصرخ وتلطم خديها وحق لها ذلك في حالٍ أقرب إلى الجنون وهي تقول :

إّني تجرد ت من دنياي خاسرًة                                    مالي سوى طفلي الباكي بها مالُ

أَودى الحريق بدار أسكنها                                       وكنت من بعضها للقوت أكتالُ

يا رب قد ضقْت ذرعا بالحياة فما                              أدري حنانيك ربي كيف أَ حتال

وهو بارع في طرح تلك المشكلات الملحة المؤلمة التي تشكل في حقيقتها مأساة الإنسانية جمعاء في صراعها مع الفقر والبؤس والمرض والتشرد والجوع والخوف والاضطهاد ، يبرع شاعرنا في تصوير معاناة أولئك البائسين في قالب قصصي سردي مشوق تتوافر فيه عناصر القصة كاملة من بداية وتطور ونهاية وحل.

وهذه قصيدٌة تنبض بكثير من المشاعر الإنسانية الصادقة وتتجلى فيها رقة الشاعر وإحساسه المفعم الفياض الصادق بآلام المعذبين المقهورين المحرومين.

قصة فقير معدم يدعى بشيرا، كان يعمل أجيرا ليله ونهاره، ليس له في هذه الدنيا إلا أخت حنون اسمها فاطمة، أصيب بمرض القلب، وانتهى به المطاف إلى الموت :

قالت الأخت : أم سلمى أنظريه                       ثكلت روح أمه وأبيه

فرأت منه إ ذ دنت نحو فيه                        نفسا مبطئَ التردد فيه

ثم قد غاله الردى باقتضاب                      وجمت حيرة وبعد قليل

ر مَقت فاطما بِطرف كليلٍ                     فيه حملٌ على العزا ء الجميلِ

أيها الواقفون لا تهمُلوه                         دونكم أ دمعي بها فاغْسلوه

ثم بالثوب ضافيا كّفِنوه                         وادفنوه لكن بِقلبي أدفنوه

وإذا تأملنا ما سبق وجدنا فيضا من الرقة والشعور بآلام الآخرين. وْليكن كما يراد له شعرا يحمل رسالة للبشرية جمعاء تدعو إلى الخير والحب والصلاح والسلام والتعاون والوئام، فلا سدوم هم تؤَرق بالا ولا إسار حرمان يهصر  مهجا ولا دكون ألٍم يمنع انبلاج مسرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناقشة معطيات النص وجدوى إدراجه في المقرر وفي المحور.

قبل البدء ؛ لابد أن نذكر أن واضع المنهاج قد قرر الغاية من إدراج النص التواصلي في المقرر؛ وعلى ضوء ذلك حدد موقعه في كل محور ؛ وهي غاية ذات أهمية قصوى في نظري ؛ تتمثل كما ورد بالنص  في الوثيقة المرفقة بالمنهاج في" استغــلال النص التواصلي لجعلـــه يقف موقفا نقديـا من الظاهرة التي يتـناولها النص الأدبي" .وضمير الفاعل المستتر في الفعل يقف يعود على الطالب ، وهذه الغاية ذات أهمية قصوي ؛ لأن الفكر غير النقدي ،أو الفكر الذي -لا يمتلك أو- يمتلك أدوات نقدية مشوهة ومعيبة ، هو فكر ببغائي أو فكر أعمى ؛ يحيد عن الطريق مضطرا رغم إنفه ليهوى في المنحدرات والمهالك.
 
وقد وقع اختياري على هذ  ا النص من الكتاب المقرر على سبيل المثال لا الحصر ، ليعلم المهتمون من الأولياء بعض ما يعانيه أبناؤهم ، ولينتبه المدرسون إلى ما يدرسون، إذا سمح لهم إعدادهم واستعدادهم  . لعلهم يخففون من معاناة أبنائهم  ، ويمنعون التشوهات الفكرية التي تتهددهم وتعود على المجتمع عامة بالويل .

 وأول ملاحظة تصدم القارئ  للنص بعد القراءة الأولى هي أن اختيار النص غير موفق تماما "فعنوان النص هو النزعة الإنسانية في الشعر العربي المعاصر" وهو عنوان مضلل  إذ لا وجود للمدلول الذي يوحي به؛  فالنص لا علاقة له بالنزعة الإنسانية ، ولا بالشعر العربي المعاصر، وخاصة وأن جميع  من له علاقة بالأدب  والنقد، يعرف حتي المبتدئين  ، أن النزعة الإنسانية  تيار فلسفي وفكري وفني له إطاره ، الزماني من حيث النشأة والتطور(أروبا) ، والزماني عصر النهضة الأوروبية في أوائل القرن الخامس عشر ،  وله محدداته و خصائصه ووظائفه ومقاصده، بينما النص المقرر يتحدث عن المشاعر الإنسانية، ويستشهد بشواهد تعكس أحاسيس فردية منكفئة على ذاتها والفرق كبير بين العنوان ومضمون النص.


فالنص إذن منذ البداية ، يخلط بين المشاعر الإنسانية ؛ والنزعة الإنسانية في الأدب والفن، ويدخل العصور الأدبية بعضها  في بعض بشكل فوضوي فضيع ، وبهذا المنطق الفوضوي يريد  الكاتب معاوية كوجان  أن يدلل في نصه على وجود النزعة الإنسانية في الشعر العربي المعاصر مستدلا بشواهد من العصر الأموي ، و العباسي ، وعصر الإحياء ،وبداية عصر النهضة ، وفي مقدمة البراهين التي يستعرضها  ليقنعنا بصحة ما يذهب إليه  وجود مشاعر حزن في قصيدة  رثاء جرير لزوجته  وقصيدة ابن الرومي في رثاء ولده ؛ وبوجود مشاعر مماثلة في رثاء المتنبي لجدته ، وفي رثاء البارودي لأم ولده؛ و إذا كان هذ المنطق الفوضوي ، وبتعبير مباشر اللامنطق  مقبولا  فكان الأجدر بالكاتب أن يستدل على وجود النزعة الإنسانية في الشعر العربي المعاصر بقصائد فحول العصر الجاهلي في البكاء على الموتى  : كالخنساء في رثاء أخيها صخر ؛ ومهلهل ربيعة في رثاء أخيه كليب فشعرهما أغنى بالمشاعر وأصدق ، وأرقى وأرق ،وإذا جاز قبول هذا عند الإصلاحيين من رجال التربية والتعليم عندنا وتبنيه ؛ ورأوا ضرورة تنشئة الأجيال عليه ، فعلى نقاد العالم أن يعدلوا مفاهيمهم النقدية  بحيث تغدو كل قصيدة فيها مشاعر حزن وأسى مصنفة  ضمن إطار الشعر العربي المعاصر والمنتمي إلى تيار النزعة الإنسانية التي ظهرت في عصر النهضة الأوربية حتى وإن كانت من الأشعار التي ترويها  بعض الكتب التراثية الصفراء ،وتنسبها إلى آدم ، أي أن كل الشعر العالمي بما فيه شعر عصر الانحطاط في أروبا ،يمكن أن يدرج ضمن الأدب الإنساني إذا وجدنا فيه مشاعر فرح أوحزن أو أي شكل من الأحاسيس البشرية  ، ولا يستثنى إلا  الشعر التعليمي الذي تغلب عليه النزعة العقلية .
 واعتماد مثل هذه الأقوال البعيدة عن الحقائق العلمية ،والخصائص النقدية المحددة والفارقة بين العصوروالمذاهب والتيارات والمدارس النقدية ، جهل وتجهيل مبرمج ممنهج ،لأن جرير عاش ومات في العصر الأموي ؛و ابن الرومي  عاش ومات في العصر العباسي (835-896م) و مثله المتنبي . والبارودي(1838-1904م) من شعراء عصر الإحياء ، واعتبار أشعار هؤلاء من الشعر العربي المعاصر  حسب ما يقتضيه العنوان والمحور كفر في شريعة النقد ، وحتى وإن كان بعضهم من المتأخرين نسبيا مثل البارودي إلا أنه لا أحد يستطيع أن يجادل في كون البارودي   شاعر مقلد سار في كل شاردة وواردة  على نهج شعراء الجاهلية ، وشعراء العصر العباسي، محتذيا آثارهم حذو الحافر بالحافر، ولا علاقة له بادب النزعة الإنسانية في أروبا ، ولا بالأدب العربي  الحديث أو المعاصر  ومثله معروف الرصافي(1875-1945م)،  فهو شاعر تقليدي ينظم على نهج السابقين في أفكارهم وأغراضهم ،مع الإقرار بأن في بعض قصائده مواقف تنزع  نزعة إنسانية لا تنكر لكنها جاءت عفو الخاطر من غير قصد ،ورغم ذلك فإن  المنطق والموضوعية يحتمان أن يوضع ذلك في عصره "بداية عصر النهضة "بعيدا عن الشعر المعاصر.  في ظل تبني مثل هذا النص من طرف وزارة التربية ، ورجال التعليم فيها ، وفي ظل هذا الخلط يصبح من حق الطالب أن يقول أي كلام، إذ لا شيء يمنعه بعد ذلك  وانطلاقا من النص وعنوانه ، أن يعتبر أن وجرير، وابن الرومي، والمتنبي، والبارودي ومعروف الرصافي هم أقطاب الشعر العربي المعاصر، وهم حملة لواء النزعة الإنسانية فيه ؟؟.
إن المتفق عليه لدي كل الدوائر العلمية العالمية ،  أن النزعة الإنسانية ظهرت بوادرها الأولى في فلورنسا في إيطاليا؛ في القرن الخامس عشر ؛ مع بترارك ( 1304م- 1373م)، ومنها انتشرت بعد ذلك ، وهذا التيار لم ينتقل إلى الأدب العربي إلا بعد عدة قرون من ذلك ، حين تم ربط الاتصال بالأدب الغربي على المستويين النقدي والإبداعي  ، في الثلث الأول من القرن الماضي ، بفضل البعثات العلمية والترجمة وأشكال التبادل الثقافي المختلفة.
 
ويحق لنا أن نسأل : هل أدرج النص؛ وما يماثله  في المنهاج ؛كي يبني المفاهيم العلمية  والأحكام النقدية الصحيحة ،أم وضع لتسطيح العقول وتعويدها قبول ما يلقى عليها  هدما وترويضا لها ؟.

 قد يقال أن الكمال لله ، ونحن نخوض محاولات إصلاح المنظومة التربوية ، قد تقع بعض الإخطاء والنقائص ، وهو دفع  مردود يقف في وجهه الإصرار على الخطأ ، لأنه ولكي يستقيم مثل هذا التبرير البائس بؤس النص والاسئلة الملحقة به ؛ كان من المفترض- خلال السنوات الطويلة من تأليف الكتب المقررة ،  وللتخفيف من حجم هذه الفوضى العارمة ، - القيام على الأقل بتغير العنوان ليتلاءم قليلا مع المحور مثل "ملامح من النزعة الإنسانية في الشعر العربي القديم والحديث"  والابتعاد كليا عن الشعر المعاصر لعدم وجود أي علاقة بين المحور والكفاءات المستهدفة منه ، والمضامين المدرجة كوسائط لتحقيقها وبين  نصوص الشعر المعاصر التي ترد في المحاور اللاحقة .

ثم ما العلاقة بين ما جاء في النص التواصلي هذا ، وبين الكفاء المستهدفة  البحث عن "النزعة الإنسانية في الشعر المهجري" وأي من الشعراء  المستشهد بنصوصهم هاجر إلى أمريكا ،ويعد من شعراء المهجر؟ وكيف يرفض بعد ذلك لطالب عَنَّ له أن يستدل على وجود "النزعة ألإنسانية في الشعر المهجري" بأبيات من شعر جرير و ابن الرومي والمتنبي ، أو البارودي ، أو شوقي ومن عاصرهم ، ولم يهاجر؟،ومنه رأى ان المهاجر هي: بغداد وحلب ومصر وسرنديب.

وكان على المشرفين على اختيار النصوص - قبل هذا- اجتناب مثل هذا النص لأن فيه قصورا ظاهرا  كون كاتبه  معاوية كوجان نفسه لا يحسن اختيار الشواهد  وهمه هو تحبير بياض الورق
و إشباع تلك النزعة الشوفينية التي نماها فينا إحساسنا الرهيب بالنقص والدونية ،  وشعورنا بتخلفنا البشع ، فرحنا نحاول ان نثبت للأمم الأخرى بأننا سباقون في كل شيء صدقا أو ادعاء، والقصور يتمثل  في سوء استشهاد كاتب النص على ما يريد إثباته  لأن لابن الرومي نفسه قصائد يمكن أن ينطبق عليها ما عرف فيما بعد بالنزعة الإنسانية لأي أروبا مثل قصيدة الحمال البائس وإن كان بعيدا عن الشعر المعاصر بعد السماء عن الأرض مثله مثل كل النصوص التي أوردها.

واستباحة معاني الألفاظ  ؛ والمصطلحات والمفاهيم ،  وتكسيرها والخروج بها عن حدودها بدون إي مسوغ عقلي منطقي ، وبدون علاقة ، وبدون أية قرينة مانعة  تمنع عن الكلام الحيدة العمياء عن القصد ، وتحترم مرجعية اللفظة  ؛ مع تبرير استعمالها المجازي ومقتضياته إن وجدت لذلك حاجة  ، وممارسة هذه الفوضى  العدمية في المدرسة والمسجد ، والجامعة وعلى ألسنة ( العلماء ورجال التربية والتعليم) ،والنخبة المتصدرة لتدبير الشأن  العام ، هو الذي خلق  الفوضى في الأسر والشوارع  والمحاكم والإدارة في الوطن العربي بأسره فأصبح لكل فرد لغته الخاصة ، ومصطلحاته التي لا يفهمها غيره ، وفهمه الخاص للمصطلحات الموجودة  ، فهم لا يشاركه فيه غيره أيضا. وصار الحمار حماما والحمام أحمرة ، والبليدة أبعد أم القازوز أحلى...؟.

والمصيبة أن  الوزارة  التي يؤطرها جيش ممن نالوا مناصبهم مقايضة لجهودهم في الحملات الانتخابية، ومكافآت على خدمات نقابية  ، أو تحت ضغوط وتهديدات فئوية وجهوية ، حتمت على النظام إرضاءهم في إطار تطبيق نظرية "شراء السلم المدني" ؛هم في جميع الحالات أسوأ بكثير ,وأدنى مستوى من كاتب النص؛ وممن اختاره ؛ووضع أسئلته ؛وأدرجه في المنهاج .
والأستاذ المسكين ؛وخوفا من أن يثير غضب المفتش ، أو الإدارة ، وتحت ضغط كثافة البرنامج ؛ والتزامه بالمقرر فيه ، واجتنابا لمشاكل الطلبة  وإهدار الوقت ؛ يجد نفسه مجبرا على تقديم النص على هذا الوضع البائس.

المأساة الثانية أن هذا لا يخص الأدب وحده أو هذا النص وحده ، ولكنه يشمل مادة الشريعة ، والتاريخ ، وهذه المواد هي القاعدة التي تغذي فكر المقبلين على الجامعة التي ستخرج لنا  الساسة والإعلاميين والقضاة والمدرسين والدعاة والأئمة ، وغيرهم من حملة  الألقاب ، والذين  لا يمكنهم أبدا أن يفهموا العالم أو يفهمهم كما هو حال العرب عموما.

والمآساة الثالثة، أن سلم التنقيط في البكالوريا يوضع على أساس من مثل هذه المفاهيم المشوهة والمغلوطة ، والناجحون فيها يكون على  مقدار ما  تحقق من تشوهات في طرق تفكيرهم ، وهي  الغايات المرسومة كمعالم  ومؤشرات لنجاح العملية ، وبها يرشحون ليكونوا هم  أطر مستقبل هذه الأمة العرجاء والتي لن تتقدم لأننا نتوارث التخلف ونجذره جيلا بعد جيل.
 
الضيف حمراوي 2014/011/08

القول ما قالت حذام

  قا ل ، وروي ، والقول ما قالت حذام مع افتراض صدق النية، وسلامة الطوية ، فإن البصر بطبيعته كثيرا ما يخدع ، فيوقع الإدراك في الخطأ، فينقل ال...