كان آخر طيف للسعادة قد ودعها ، وتلاشى عبر فتحات الكوخ الجاثم ،منفردا فوق التلة
المنسية ، حين جاؤوا إليها ليزفوا لها نبأ استشهاد
أبنها ، الذي أخذوه من بين يديها قبل أشهر ، ليصوغوا منه بطلا.
كانت وحيدة، يدثرها حزن متوحش ينهش أعماقها، تجلد
الأرض أمامها بعصا في يدها بطريقة جنائزية رتيبة.
قال كبيرهم : لقد مات شهيدا في سبيل الإسلام و الحق
، والعدل... .وهذه صورته ،أما هو إن شاء الله فإنه الآن ينعم بحور العين في قصره بالجنة مع الشهداء و....
قالت من خلال الوحش الذي كان يخنق صوتها ويقطعه:
- هل كنت في القصر معه؟ ومنذ متى فارقته؟وواصلت : اسمع يا هذا: العينان اللتان تعجزان أن ترياه واقفا أمامي: بروحه وجسده في الوقت الذي تريانكم ، والعينان اللتان تحاولون حملهما على رؤيته مصلوبا في صورة على ورقة، أو تتوهمه في جنة صنتم أنفسكم عن دخولها ، عينان استحقتا عن جدارة أن تنزعا من محجريهما كما ترون .
وحياة بدونه ، وبدونهما ، خير من حياة بدونه مع رؤيتكم
وأمثالكم، وأرجو أن يفصل الله بيني وبينكم في الدنيا ، وفي الآخرة ، بغض النظر عن طبيعة المصير.
لم يرض كلامها كبيرهم ، وكيلَ الله والناطقَ باسمه؛ الذي ابتلع غضبه، وانصرفوا
بعد أن قاموا بالمهمة وأدوا الواجب الشرعي، وبعيد انصرافهم تعالى الدخان من الكوخ تلاه لهب ، راح يلحس وجه السماء ،وحل الهدوء...
الضيف حمراوي 13/02/2010