الكون أعظم كتاب منظور يجعل العاقل يؤمن بالله دون
مواعظ أو محاضرات ، ويزداد رسوخ إيمان المؤمن
بالخالق بقدر تقدمه في حل ألغاز مظاهر هذا الكون اللامتناهية ، وأولها الألغاز
الكامنة بذاته:
فالحس السليم، والشعور المرهف النظيف؛ والعقل الناضج
هي التي تجعل الوجود وجودا واضحا؛ ومدركا بدون شكوك. ومقياس عقل المرء أعماله.
ومواطنو الشعوب التي يتبادل أفرادها الحب كعملة للتجارة
؛ وعلامة للثراء وحدهم الأغنياء السعداء.
وتعظم مآسي الشعوب و الأمم على قدر اعتلاء أصحاب النفوس
الوضيعة؛ عديمي الحياء ؛ فيها كراسي الحكم والقرار، فالوضيع إذا استقوى أطاح بكل ما
هو نبيل ورفيع.
ووحده الزمان الطويل يكشف الإنسان الخير، أما الشرير
فيكفي يوم واحد لفضح حقيقته، والعاري من الفضيلة لا يستره شيء، ولا يصلحه شيء لأنه
اختار العري بإرادته لا بطبيعته. وشعور بعض الناس بالفخر حين يذلون إخوانهم في الإنسانية
دليل على أن الإنسان الظالم شيطان ؛ يكشف عن حقيقته حين يمتلك القوة ويأمن العقاب.
وفي المقابل لا ينبغي لمن يستمرئ الاستعباد أن يعجب إذا تكاثر ساداته ومذلوه ،فمن تطوع
بوضع كرامته تحت أحذية غيره لن يبقى له ما يخسره؛
وما يصنع للإنسان مصيره البائس أو السعيد هو حريته وسوء أو
حسن اختياره لأفعاله ؛ ولا شيء غيرهما ، ولذلك ، وعلى ذلك ، سن الجزاء والعقاب في كل
الشرائع والحضارات
.
من الصعب والمرهق أن تعيش وأنت المبصر الوحيد في بلد
كل أهله عميان ؛ وأن تعيش وأنت الصادق الوحيد في مجتمع دينه الأول هو الكذب على الله
،وعلى خلق الله وترجو السعادة . فالمأساوي في الأمل الذي يقوم
على غير أساس أنه يشبه العشبة المزهرة التي تزرع فوق القبر؛ وهي تسقى بالدموع ؛ تتفتح بألوان زاهية في مملكة الفناء .
متى؛ وأينما اعتبر التعبير عن الرأي جريمة ؛زال العدل،
واختفت المساواة؛ وتلاشت المحبة ،وساد التوحش ، ونمت شجرة الإرهاب الملعونة.
كل ما هو هزيل وبائس ومغشوش يسوق عن طريق الصراخ و مكبرات الصوت
؛ في الأزقة؛ و الأسواق ؛ والمهرجانات ؛ والمساجد
؛ والحوزات ؛ والكنائس ؛ والبيع وقنوات الدعاية .
لأن في غياب الصوت الصارخ؛ وفي أحضان الصمت المقدس؛ تنفتح نوافذ التأمل، و ينشط الفكر،
وتشحذ النزعة النقدية ،وتستعمل أدوات الفحص ، فيصبح الغش والتدليس
والمغالطات المنطقية في مهب الريح ؛ويفشل المنتفعون في تسويق سلعهم .
وتقدمنا في السن لا يجعلنا أفضل أو أسوأ، بل يجعلنا
أصدق مع أنفسنا. أما العناد فهو مركب متضعضع
يمتطيه الجهلة والضالون كي يمعنوا في الابتعاد
عن أرض الحق والنجاة .
والحياة متعة لمن لا يشعر ولا يفكر، ومأساة لمن يشعر،
ومهزلة لمن يفكر.