الثلاثاء، 16 أبريل 2013

سحر والضباع


سحر والضباع

كانت سحر في طفولتها وصباها مدللة، موفورة الصحة، جميلة؛ حيوية إلى حد الشقاوة أحيانا، تقضي يومها سعيدة؛ ترى كل ما حولها مشروع لعبة، من حقها أن تعبث به كيفما شاءت؛ وأينما شاءت، وتمزقه أو تحطمه أو ترميه متى ما شاءت.
وحين نضجت كانت محط الأنظار؛ غير أنها تزوجت زواجا عاديا؛ بزوج متسامح؛ لم يكن في مستوى طموحها وتطلعاتها، ولكنه دون عيوب تشين، هادئ، واسع القلب، تغزوه أحيانا نوبات اكتئاب فينطوي على نفسه؛ لأسبوع؛ أو أسبوعين، وفي الأثناء تفرخ الشكوك في صدر سحر، فتثور؛ وتصرخ؛ وتبكي، وتقيم الدنيا ولا تقعدها دون أن تتحرك شعرة واحدة في رأس زوجها، وكأنه يعيش في عالم آخر.
سمعت سحر بوجود ساحر بارع، يعالج الأمراض المستعصية، ويقرأ الغيب كأنه يراه، ويروض الوحوش الضارية ويتحكم في الجن، فيستدعيه إن شاء وينفيه إن شاء.
جمعت سحر أمرها، وقصدت الساحر، بمجرد أن خرج زوجها قاصد عمله بالمدينة.
جاء دورها، فولجت إلى غرفة الساحر، وحيت، وتربعت بين يديه.
كانت جميلة، ممن يحرك جمالهن كل من رآه، تملاها باشتهاء، وسألها:
- ماذا تريد الجميلة؟
قالت: أريد إصلاح زوجي، ليغدو مركبا سهلا آمنا.
- يضربك ، ويمسح بك البلاط ، ويسحبك من شعرك ؟
قالت: لا
- يمنعك من الخروج ، والتفسح ، وزيارة الأهل والصديقات والجارات؟
قالت: لا.
- يمنعك من اختيار ملابسك ويفرض عليك لباسا معينا أو زيا معينا؟.
قالت: لا بل أنا أضربه، حين يغضبني، بالحذاء والشبشب على رأسه ومؤخرته، ولكنه شديد البنية ويتحمل فلا يظهر عليه أثر الضرب.
- فلم تريدين إذن سحره ؟
قالـت: يا سيدي هادئ وسهل القياد، ولكن أحيانا تنتابه نوبات غضب غير مفهومة ولا مبررة ، وحين يثور؛ يصير مظهره مخيفا مرعبا ، ورغم أنه يهدأ؛ أو يفر من وجهي حين أصرخ في وجهه ؛ إلا أنه كثيرا ما يطوف بخيالي حينئذ أنه يقوم بخنقي فأبقى مريضة لعدة أيام.
- هل أفهم من قولك هذا؛ أنك تغضبين منه لأنه ليس جميلا بما فيه الكفاية؟.
قالت وهي تضحك باحتشام: بل جميل؛ و وسيم، و ودود، وهادئ، ولكن تنتابه أحيانا حالات غضب؛ يصبح فيها كما وصفت لك، وإلا فما علة هذا الحرص عليه ؟.
- لا تنزعجي من أسئلتي ، فهي من صميم إجراءات العلاج ، و المعلومات لهم أكثر مما هي لي ، وأنا مجرد ناقل.
قالت: لا عليك يا سيدي ، ورضاهم دين علينا ، اللهم أرضيهم ورضيهم علينا ، آمين. وقبلت ظهر يدها.
- لقد فزت برضاهم ؛ ولكن في حالة زوجك ، من الصعوبة بمكان ترويضه أكثر مما هو مروض ، إلا بوجود مواد يعز الحصول عليها
قالت ما هي؟.
قام بحركات، وتمتم بتعويذات، وأدار وجهه يمينا وتفل، ثم أدار وجهه يسارا ثم استدار إلى الخلف؛ وتفل ثلاث مرات، وألقى بشىء كان بيده التي أخرجها من عباءته، في كانون جمر كان أمامه، فارتفع الدخان، وضج الجو بروائح بخور؛ تدير الرأس وصرخ: يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم.
وفتح كتابا أصفر. وتطلع فيه، ثم زوى عينه اليمنى، وترنم بلحن فيه شيء من الحزن، والرهبة، ورسم بيديه دوائر في الفضاء أعلى رأسه، ثم اهتز جسمه كله برعدة ظاهرة للعيان، كل ذلك بحركات متناسقة؛ ومنسجمة لها أثر غريب. ونظر إلى المرأة وقال:
- إذا أردت ترويض زوجك إلى درجة الاستعباد ، فلابد أن تحضري شعر ضبع رمادي ؛ تنزعينه بيدك من رقبته ، وهو حي ، وألا تلمسه يد أخرى سوى يديك ألجميلتين ، أو يداي.
وباقي ما سنحتاجه بعد ذلك من الخليط موجود، ومتوفر عندي، ولكن عليك أن تدفعي ثمنه مسبقا إذا صح عزمك على الذهاب في المهمة إلى نهايتها.
قالت: ألا يوجد عقار آخر غير هذا؛ تنجز به سحرك؟
- لا
ترددت قليلا فعاجلها: إذا كنت عازمة فلا تترددي، ولا تضييعي الوقت، النتيجة ستكون مضمونة وأكيدة، فلا تضييعي وقتي ...
أدخلت يدها في صدرها، وأخرجت حافظة نقودها، وسحبت منها أربعة أوراق مالية ؛ من ذات الألف دينار ؛ ودفعتها له فأمسكها ، وسرعان ما عاد فألقها في حجرها ، وهو يردد مسرعا : وتري، وتري ، زيدي ورقة ، وتري . الله وتر يحب التوتير.
فزادته ورقة.
قالت: وقد أحست أنه خدرها وأخذ منها مالم تكن ترغب في دفعه بسهولة ، ألا ترى أنك تريد أن تلتهمني الضباع.؟.
- لا تخافي - وكان قد أبصر ما بقي في حافظة نقودها - عليك فقط ؛ أن تدفعي ثمن تعويذة أعدها لك ، بعد منتصف الليل ،، لتحميك من الشر والأشرار ، والمخاطر والأضرار ، في اليابسة والبحار ، أناء الليل وأطراف النهار ، ما دمت في رحلة بحثك عن بغيتك ، على ان تبيتي الليلة هنا ، وتعليقينها مع الفجر.
قالت: لا أستطيع المبيت لأن زوجي لا يعلم أنني جئت لزيارتك، ولا ينبغي له أن يعلم.
- : إذن سأعدها ، وأرسلها إليك ، أو تأتين لأخذها ، وتعلقينها فجر اليوم الموالي.
قالت: وكم أدفع فيها؟
- هات ورقتين ، وسنضبط الحساب في العملية الكبرى.
غادرت وفي طريقها قالت تحدث نفسها: ألا يمكن أن يكون الساحر يرغب في التخلص مني ليخلو له زوجي. فيخطفه غنيمة لإحدى قريباته؟
ثم أليس عارا أن تأكلك الضباع يا سحر، فيقول الناس أن سحر أكلتها الضباع؟ إذا عشت أعيش وأنا أمتطى مركبا آمنا؛ وإذا مت فليقل الناس ما شاءُوا فلن تبلغني أقوالهم في بطون الضباع، ثم انفتح أمامها باب واسع رأت من خلاله الحل.
حين وصلت إلى البيت؛ أعدت غذاءها، وتناولته، وهي تستعيد في خيالها ما ستفعله، ثم غيرت ثيابها، وعمدت إلى جحش لديها، فأوثقته وأحكمت وثاقه، ومرت بخنجر حاد على رقبته فخر على الأرض وأكملت ذبحه، تم قامت بتقطيعه، وعبأت كيسا من لحمه ثم ربطته، وانتظرت حتى استعادت رباطة جأشها.
وحين راحت الشمس تجنح نحو المغيب من خلف قطع السحاب المتدافعة، وبدأ الغسق يتحفز ليملأ المكان، حملت كيس اللحم على ظهرها، وحملت معها بخاخ المخدر، وعصا، مستغلة هبوب رياح غربية، ودمدمة رعود كانت تهدر بعيدا في طرف الأفق، واتجهت متخفية بأشجار الزيتون نحو الكهوف؛ وسط الأحراش؛ على طرف الغابة، وهي تشكو حظها.
كان الجو مثيرا للمشاعر، لكن الثورة التي كانت بصدرها شغلتها عما سواها.
يا لسوء حظك يا سحر؛ كتبت عليك الاقدار أن تعيشي أزهى أيام حياتك بين الضباع؛ ضبع في البيت، وفي الدشرة ضباع، وفي الاحراش والغابات ضباع؛ وأنت تهربين من ضبع إلى أخر.
يا لسوء حظك، فحين فكرت في إصلاح أحوالك لم تجدي عونا سوى الساحر، ولم يجد الساحر دواء آخر سوى شعر الضبع، تأخذينه من رقبته وهو حي، ما أتعسه حظا.
وهل بمقدورك أن تروضي ضباع البشر في البيوت؛ وضباع الحيوان في الأحراش؛ أم ستكونين طعاما سائغا لإحداها؟؟
ثم تساءلت وكأنها تتشاجر مع نفسها: لكن لماذا لا أكون كبقية النساء الخانعات القانعات القابعات؟
لماذا أريد أن أحكم؟
هل سمعتِ حاكما؛ أو رئيسا طرح على نفسه هذا السؤال السخيف؟ طبعا أحكم لأرضي نفسي ؛ وأشبع نزواتي فأسعد .هل يوجد هدف آخر غير ذلك يمكن أن يقتنع به عاقل. طبعا أحكم لأكون أنا الذات وغيري الوسائل والأدوات.
لأبد أن يكون زوج المرأة رهن إشارتها، لابد أن يجتو أمامي، أن يغسل جسدي بكل رقة ورهافة حس حين أكون متعبة، وبقوة تعبر عن خشونة الرجل، حين أكون في قمة نشاطي، وأن يدلك جميع أعضائي راغبا، بشكل يحقق لي كل ما أبغيه من متعة وراحة، وان يخشى غضبي أكثر مما يخشى أي شيء آخر.
اقتربت من الأحراش؛ حيث تكثر مغاور الضباع، فغزتها الرهبة، واجتاحها الخوف، وبدأت تتردد واضطربت مشيتها، وأخذت رجلاها تتخشبان؛ بل وتخشب جلد جسدها بكاملة تصلبت أطرافها، وجف ريقها، فراحت تتحسس أعضاءها وتصفع خديها بكفيها، وتلمست بخاخ الخدر وكأنها تعد سلاحا رادعا لتواجه به ضباع الكون قاطبة، وتسربت رائحة الضبع إلى أنفها، فأدركت أنه على مقربة منها؛ وأن لم تره، واستجمعت شجاعتها من جديد، وقالت: سحر؛ كوني المرأة الحديدية التي تتهشم على صلابتها أنياب كل الضباع.
مسحت المنطقة بنظرة متفحصة، وأخيرا رأته هناك، كان يهم بالوقوف على قائمتيه ليتأكد من وجودها، ويحدد استراتيجية المطاردة، بينما كانت مؤخرته مازالت ملتصقة بالأرض في حالة المتربص الذي لا يرغب في ألا تكتشفه فريسته قبل أن ينقض عليها.
تظاهرت من جهتها بأنها لم تره، بينما كانت تضغط بكل قواها على أسنانها المصطكة من شدة الخوف، ولاحظت أنه شرع في الهرولة حين بدأ يقترب، تفاقم خوفها وشعرت بالبلل يكتسح فخذيها، وبسرعة أخرجت قطع اللحم وألقتها في طريقه، ثم حملت الكيس وجرت هاربة. وصل الضبع حيث كانت قطع اللحم الطازجة ملقاة، فأقعى واحتضنها وراح يلتهمها بنهم، استراحت سحر، وتنفست الصعداء، وعادت إليها الحياة، أنتهى الضبع مما بين يديه، ورفع رأسه نحوها فلوحت له بقطعة أخرى، والقتها وابتعدت.
قالت وهي تنتظر منه إكمال ما بين يديه، لتلقي له قطعة أخرى، وتجري مبتعدة أمامه: ما أقبح صورتك، فأنت لا تقل بشاعة وخسة عن الساحر، لا شيء فيكما في موضعه؛ فلا سير متزن مستقيم، ولا سيرة محمودة، ولا طيب ريح؛ ولا وجه حسن؛ فكلاكما خسيس، ملهوف لا يشبع، ويا ويح من وقع بين أيديكما
أًصبحت سحر والضبع على مقربة من مسكن الساحر، وكان الظلام قد بدأ يلون المنطقة بسواده، وبدأت عينا الضبع تلمعان كمصباحين، ثم ظهرت عيون لامعة عديدة في الخلف مقبلة ‘.
وضعت سحر قطع اللحم القطعة بعد الأخرى في خط أخر قطعة فيه في ساحة بيت الساحر، واندفعت كالسهم فدخلت
عليه وهو منهمك في إعداد الخائط. لزبائنه.
نظر إليها متعجبا نظرة من وقعت بين يديه غنيمة ثمينة لم يكن ينتظرها وقال: ألم تذهبي كما طلبت إليك؟ بدون وبر الضبع لن أستطيع أن أفعل لك شيئا. أم جئت لأخذ التميمة؟
قالت: لا يا سيدي، لكنني لم أعرف من أي مكان في رقبة الضبع بالضبط ينبغي أن أجز الوبر المطلوب، فجئتك بالضبع نفسه، وكان الضبع قد اندفع داخلا إلى ساحة الدار منقضا على القطعة المرمية بجانب الساحر الذي بهت، ثم دخلت ضباع كانت قد جلبتها رائحة اللحم، فقالت المرأة مرعوبة: وأسرته أيضا جاءت معه، جاءت دون أن أدعوها، ولعلك في حاجة إلى وبر كثير.
صرخ الساحر مرعوبا وضاعت منه الطريق، وراح يحاول الوصول إلى السلم والإمساك به.
فقالت سحر: اقرأ عليها مما تحفظ، أنسنها إذا كنت ساحرا حقيقة لا أدعاء.
ندب الساحر: وأخيرا اجتمعت كل المفاسد في بيتي.
وأردفت من وراء شباك الباب الحديدي الذي أوصدته بإحكام: استعمل سحرك بسرعة، ثم واصلت: يبدو أنك لا تختلف عن زوجي المسكين في شيء؛ ويبدو أن الضباع يستحيل استئناسها وهي لن تكف عن دورها في تنظيف البيئة.
ثم أخذت تولول وتلطم خديها وهي تقفز في مكانها: يا لسوء حظك يا سحر، لم تأكلك الضباع ولكنها أكلت حمارك ونقودك، وبقي زوجك على طباعه كما كان.

الاثنين، 15 أبريل 2013

لماذا تتغامز العصافير؟.



لماذا تتغامز العصافير؟


قال الشيخ يحدث نفسه عاقدا يديه وراء ظهره وهو يسير. يقال: أنها ستحسم يوم الخميس المقبل الحسم النهائي.
سمعتهن واحدة واحدة:

قالت الأولى: أنها قد أخبرته بكل شيء، وأفهمته أنها لم تعد تحتمل هذه العيشة الجماعية، وأنها قد وجدت عنده نفس القناعة، وقد أكد لها أن مكانتها عنده فوق كل اعتبار آخر، وعليهم جميعا أن يفهموا ذلك، كما أنه هو أيضا لم يعد يحتمل، وسيحسم الأمر معهم مرة واحدة حين يعود يوم الخميس المقبل .

وقالت ألثانية: أنه تعهد أمامها بأن يقطع خيط العقد، وأن رضاها وراحتها هما مبرر وجوده، وأنه تزوجها كي يجن الكون بحبهما، وتهتز الأرض نشوة، ولتسقط المساكن والعمارات، ولتنداح الجبال، ولتحترق الغابات.

وقالت الثالثة: .........إن غدا لناظره قريب.

وقالت: الرابعة بأنه حين يعود يوم الخميس سينجلي الأمر، وسيشهر سيفه ويخوض لآخر مرة لهيب الوطيس، وينهي كل الدسائس التي تحاك في المخادع، ووراء الكواليس، وسيبقي البيت لها.

ويخرج الشيخ من البيت وهو يكرر: هكذا إذن؛ يقال إن كل الأمور، كل المشاكل، كل المشاحنات ستحسم وتنتهي يوم الخميس المقبل الحسم النهائي.

ويأتي الخميس، ويعود الأزواج بعد غياب فيشتعل البيت بحر العواطف مضمخة بروائح العطور ؛ يتسلل لهيبها مندفعا من الغرف، عبر الفتحات والمسارب، فتهدأ القلوب ، وتلين حجارة الأسوار، وتبتسم السقوف والجدران، وتغني الزوايا وتتناغى العصافير على شرفات النوافذ ؛ وتتغامز، وتنبعث من وراء الأبوات الضحكات المكبوتة، والآهات الولهى، والتنهدات الحري.

وسرعان ما يعود يوم السبت؛ فيغادر الأزواج إلى مناصب أعمالهم، وتلوح الغيوم متدافعة ، ويلف موسم الغضب والتهديد والوعيد البيت من جديد، وينعقد الأجماع على أن الأمور ستحسم يوم الخميس المقبل الحسم النهائي

يخرج الشيخ كل صباح من البيت كالعادة ، ويداه معقودتان خلف ظهره وهو يردد: يقال إن كل الأمور، كل المشاكل، كل المشاحنات ستحسم وتنتهي يوم الخميس المقبل الحسم النهائي.

ويذرع الطريق على أنغام ما ألف سماعه من كناته منذ أمد، ويعيد للمرة الألف   يقال: إن كل الأمور ستحسم  يوم الخميس المقبل ، يعيد ذلك بلا ملل تحت  سمع و نظر العصافير التي اصطفت لاستقباله على خيوط أعمدة الكهرباء الممتدة بمحاذاة الطريق وهي تتقافز وتتغامز وتغني للورد، كي ينتشي فينمو، ودون أن يتوقف يجتاحه سؤال مغاير : لماذا تتغامز العصافير؟


الضيف حمراوي 14/04/2013

الخميس، 4 أبريل 2013

قوانين أم قضاة أم... ؟


قوانين أم قضاة أم...؟




أيهم أولى بالعناية والمراقبة ؛ القاضي ؛ أم النص القانوني ؛ أم هما معا  ؛ أم السلطة المشرفة والمنتفعة ؟ وأيهم خادم للآخر تابع له مؤتمر بأوامره؟

الملاحظ أن السنوات الأخيرة قد كثرت فيها الشعارات والشطحات الزائفة المضللة؛   مثل إصلاح العدالة، وإصلاح القوانين وما شابه، وفي نفس الوقت طغى الفساد واستشرى بشكل عام وشامل بلا وازع أو رادع، مع فقدان الثقة بشكل يكاد يكون مطلقا في العدالة، والسكوت على مثل هذا الوضع والتمادي فيه هو في حد ذاته جريمة، ولأنني أحد أفراد هذا الشعب الذي يحكم له وعليه وباسمه فمن حقي الطبيعي أن أقول:

   الجاري به العمل والغالب ألا يلتزم  القاضي  بالقانون إنما ينفذ تعليمات رؤسائه وأصحاب القرار  ، حين يتعلق الأمر بقضايا ؛ أو شخصيات ؛  أو عائلات وجماعات لها وزنها السياسي ؛ أو المالي ؛ أو الاجتماعي ."نعم. نحن ننفذ التعليمات التي تردنا صباح مساء عبر الهاتف وعبر الفاكس وعبر كل وسائل الاتصال، نحن مجرد عبيد لوزارة العدل.. من لا ينفذ التعليمات يعزل.."سعد بوعقبة ،نقطة نظام ، جريدة الخبر2016/06/18 .

وهو يستعمل معيار مصلحته الخاصة؛  وأمنه الشخصي قبل كل شيء ؛  واضعا نصب عينيه رغبات من أتوا به إلى كرسي القضاء ، ومن  لهم القدرة على عقابه وجزائه ، وترقيته وعزله، فالقاضي في الجزائر فوق القانون ، وتحت السلطة التي تعلوه ؛  وتمسك بيدها خيوط  حاضره ومستقبله ،  و وهو يعلم علم اليقين أنها إنما جاءت به ليحميها  ، ويحمي مصالحها مهما كانت وكيفما كانت : سلطة حكم، أو سلطة تعيين وعزل، أو سلطة ترقية ودحرجة أو سلطة المال والمصلحة. ومن أجل إرضاء هذه السلط أو إحداها إذا أمن شر الأخريات داس القانون ؛ وخالفه جهارا نهارا ؛ وهذا ثابت ومسجل في  العديد من الأحكام والقرارات وعلى جميع المستويات والدرجات : من قضاة المحاكم الابتدائية حتى المحكمة العليا. وبالتالي فإن بذل العناية الفائقة في صياغة النصوص القانونية  ؛ دون إلزام القاضي بحتمية احترامها - تحت طائلة العقاب في حال  مخالفتها  ؛ ومهما كانت المخاطر والإكراهات أو الإغراءات التي يمكن أن يتذرع بها-   تبقى عملية فيها من العبث  ؛ وتضييع الجهد والوقت الشيء الكثير، ولا تعدو كونها كرنفلات متتالية، وتخديرا مؤقتا لآلام الشعب  ، وذرا للرماد في العيون ؛ والظهور أمام الرأي العام المحلي والدولي بمظهر خادع ومخادع؛ يغاير الحقيقة والواقع ،  ويزيد في الاحتقان ، ويعرض مستقبل الوطن لخطر لاحق ؛  ماحق ؛   أت؛  لا ريب فيه.

 القاضي من حيث هويته وماهيته ورمزيته قبل القانون لأن الإنسان هو من أوجد القوانين والتشريعات وليس العكس ؛  وبالتالي فالاهتمام بصياغته وتكوينه أولى ألف مرة من الاهتمام بأي عنصر آخر من عناصر جهاز العدالة ، ورغم الإقرار بجدوى التدقيق في صياغة النصوص وضبطها  ؛ وتحديد مجالاتها  ، وما إلى ذلك   ، غير أن أهم من ذلك ؛  هو الاعتراف بحقيقة مرة ناصعة حالكة السواد ، انتشرت نتانتها في الأرجاء  ؛ فعمت وهي أن أزمتنا ليست أزمة نصوص  ؛ أو هياكل كما تريد السلطة أن توهم المواطنين ؛ لأن مبادئ العدل مبادئ إنسانية عامة وشاملة ؛ بغض النظر عن الاختلاف في الجزئيات ، والأصباغ المحلية والحضارية التي تضيف للجوهر ؛  ولا تنقص منه ، والنصوص القانونية من حيث الوفرة والإحكام على جميع المستويات: الوطني والعربي والدولي ؛  تزيد عن حاجة القاضي النظيف، الشريف، الكفء المستقل، العادل، الموضوعي، المحايد والنزيه ، الذي يحكم فعلا باسم الشعب ، لا باسم سيده ؛ أو باسم المكسب المخبوء وراء الشعب البريء مما فعل باسمه ؛ ؛ براء الذئب من دم يوسف. 

و لكنه ومن جهة وظيفته، وفي كرسي حكمه، يجب أن يكون مثله مثل الذين يحكمهم الماثلين أمامه  تماما ، تحت القانون  ؛ وتحت قواعد العدالة، تابع لها غير متبوع، محكوم بها غير محاكم لها، مقيد بالنص والدليل منظور إليهما بالصفات والمؤهلات المسرودة أعلاه  ، وهي كفيلة بتحقيق أمن الافراد والأمة  والوطن بأسره ، سواء أتمت المحاكمة في ساحة  عمومية ، أو تحت شجرة ، أو في بهو دار للقضاء،  أو قصر للعدالة.

 فهل لكم أن تجدوا لنا قاضيا أو منهجا لتكوين قاض، فيه هذه الصفات قبل تحبير القوانين؟ .

 أم أنكم مغرمون بالعبث  ؛ وعبادة مصالحكم الخاصة ، بكل طرق التضليل المعهودة والمبتكرة، تجهدون أنفسكم في تحبير القوانين؛ ثم  تجهدونها مرة أخرى لتنتقوا لها من يخرقها جهارا نهارا بفخر واعتزاز مختارا عاملا  بتوجيهاتكم وتحت رعايتكم  ؛ أو مرغما مكرها تحت سطوة تهديدكم ووعيدكم ، ليحصل على ترقية إلى منصب أعلى ويزيد في ترسيخ  السنة   إياها ؛ ويشتهر بأنه من أتباعها ؛ والمبشرين بهدي سدنتها ؟؟؟؟؟.

القول ما قالت حذام

  قا ل ، وروي ، والقول ما قالت حذام مع افتراض صدق النية، وسلامة الطوية ، فإن البصر بطبيعته كثيرا ما يخدع ، فيوقع الإدراك في الخطأ، فينقل ال...