الجمعة، 7 نوفمبر 2014

النزعة الإنسانية في الشعر العربي المعاصر



الدرس : النزعة الإنسانية في الشعر العربي المعاصر  لمعاوية كوجان. ص52

 المرجع : اللغة العربية وآدابها  للسنة الثالثة من التعليم الثانوي. للشعب العلمية والتقنية.

المحور الثالث:

الكفاءات المستهدفة :

-         استنتج بعض مظاهر التجديد في الشعر العربي الحديث.

-         أكتشف النزعة الإنسانية في الشعر المهجري.

-         اتبين مفهوم الوحدة العضوية.

والمحتويات الموظفة كوسائط وأدوات لتحقيق هذه الكفاءات هي :

 تمهيد : خصائص الشعر العربي في العصر الحديث ، يتلوه:-
النص الأدبي ، قصيدة " أنا" للشاعر المهجري إيليا أبي ماضي ، ثم 
 النص التواصلي موضوع حديثنا التالي.

نوع النشاط : النص التواصلي. المدة ساعة.
الفئة المستهدفة : تلاميذ أقسام السنة الثالثة رياضيات وعلوم تجريبية وتقنية من التعليم الثانوي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النص.
إذا تأملنا شعرنا العربي وجدناه يزخر على امتداد عصوره بأشعار تطفح بالمشاعر الإنسانية النبيلة الصادقة طارت لها شهرٌة في الآفاق، وأولاها الباحثون والدارسون اهتما ما وعناية خاصين. وإحصاء تلك الأشعار أ مر عسير نظرا لكثرتها، ولعلّ ضرب بعض الأمثلة كاف للإشارة إلى تلك النزعة الشعورية الراقية. أذكر في هذا المضمار قصيدة ابن الرومي في رثاء ولده التي يقول فيها:

بني الذي أهدْته كفَّاي للثرى                           فيا عزة المهدى ويا حسرة المهدي !

عجبت لقلبي كيف لم ينفطر له                       ولو أنه أقسى من الحجر الصلد

وفي هذا السياق نتذكر رثاء المتنبي جدته، ورثاء جرير زوجته، ورثاء محمود سامي البارودي أم أولاده :

يا دهر فيم فجعتني بحليَلة                            كانت خلاصة عدتي وعتادي

إن كنت لم ترحم ضناي لفقدها                        أفلا رحمت من الأسى أولادي

أْ فردَتهُن فلم ينمن تَو جعا                            قرحى العيون رواجف الأكباد

لو كان هذا الدهر يقبلُ فدية                            بالنفس عنك لكنت أولَ فاد

وكذلك رثاء شوقي جدته. إًذا تلك الأشعار في أغلبها كانت صادرة عن نفس مفجوعة بقريب لها ذي رحم، أما الأشعار التي تتناول الإنسان كائنا له منزلته، تصور آلامه وتبلور أحلامه وتبرز إحساسه، فأشعار قليلة بالمقارنة مع بقية ضروب النظم وأغراضه في شعرنا العربي لاسيما الحديث كقصيدة "الشريد " لعلي الجارم وقصيدة إيليا ميخائيل نعيمة " النفس الشقية " . واحد من - ولعل الشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي(1875-1945م) قلة من الشعراء الذين نزعوا في شعرهم هذه النزعة الإنسانية الصادقة الفياضة بالتعاطف والتألم والتفجع بمآسي أولائك المعذبين البائسين، والتطلع إلى تخليصهم من آلامهم ومواساتهم في محنهم وأزماتهم نجد ذلك النزوع بارزا في قصائده " أم اليتيم "، "المطلقة " ، " الأرملة المرضعة " ، " اليتيم في العيد " ،"دار الأيتام "،" الفقر والسقام "، " اليتيم المخدوع "، " ثالثة الأثافي "، أم الطفل في مشهد الحريق " . وتتبلور نزعة الرصافي في أساليب كثيرة. فهو يرسم الشخصية المتألمة من الخارج فيصور تلك الشخصية، ملابسها، شحوبها، دموعها، صوتها، مسكنها، عويلها..، وصفا دقيقا كأنه الصورة الفوتوغرافية. من ذلك وصفه الخارجي لليتيم في قصيدته " اليتيم في العيد"

صبي صبيح الوجه أسمر شاحب                                نحيف المباني أدعج العين أنز ع

ويرسل من عينيه نظرَة  مجهش                               وما هو بالباكي ولا العين تدمع

له رجفة تنتابه وهو واقف                                       على جانب والجو بالبرد يلسع

وهو ينفذ إلى أعماق تلك الشخصية البائسة المنكسرة المحزونة، يبلور ما تحس به ويستخرج ذلك الركام من الأحاسيس المفعمة بالمرارة والكآبة والألم والضنك والأسى في سياق شعوري متناغم مع ذلك الوصف الخارجي.. فمن قصيدة "أم الطفل في مشهد الحريق"، يسمعنا الشاعر أّنات وعويل أم احترق طفلها في حريق شب فلم تبق ناره ولم تذر، فما كان منها إلا أن أخذت تولول وتصرخ وتلطم خديها وحق لها ذلك في حالٍ أقرب إلى الجنون وهي تقول :

إّني تجرد ت من دنياي خاسرًة                                    مالي سوى طفلي الباكي بها مالُ

أَودى الحريق بدار أسكنها                                       وكنت من بعضها للقوت أكتالُ

يا رب قد ضقْت ذرعا بالحياة فما                              أدري حنانيك ربي كيف أَ حتال

وهو بارع في طرح تلك المشكلات الملحة المؤلمة التي تشكل في حقيقتها مأساة الإنسانية جمعاء في صراعها مع الفقر والبؤس والمرض والتشرد والجوع والخوف والاضطهاد ، يبرع شاعرنا في تصوير معاناة أولئك البائسين في قالب قصصي سردي مشوق تتوافر فيه عناصر القصة كاملة من بداية وتطور ونهاية وحل.

وهذه قصيدٌة تنبض بكثير من المشاعر الإنسانية الصادقة وتتجلى فيها رقة الشاعر وإحساسه المفعم الفياض الصادق بآلام المعذبين المقهورين المحرومين.

قصة فقير معدم يدعى بشيرا، كان يعمل أجيرا ليله ونهاره، ليس له في هذه الدنيا إلا أخت حنون اسمها فاطمة، أصيب بمرض القلب، وانتهى به المطاف إلى الموت :

قالت الأخت : أم سلمى أنظريه                       ثكلت روح أمه وأبيه

فرأت منه إ ذ دنت نحو فيه                        نفسا مبطئَ التردد فيه

ثم قد غاله الردى باقتضاب                      وجمت حيرة وبعد قليل

ر مَقت فاطما بِطرف كليلٍ                     فيه حملٌ على العزا ء الجميلِ

أيها الواقفون لا تهمُلوه                         دونكم أ دمعي بها فاغْسلوه

ثم بالثوب ضافيا كّفِنوه                         وادفنوه لكن بِقلبي أدفنوه

وإذا تأملنا ما سبق وجدنا فيضا من الرقة والشعور بآلام الآخرين. وْليكن كما يراد له شعرا يحمل رسالة للبشرية جمعاء تدعو إلى الخير والحب والصلاح والسلام والتعاون والوئام، فلا سدوم هم تؤَرق بالا ولا إسار حرمان يهصر  مهجا ولا دكون ألٍم يمنع انبلاج مسرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناقشة معطيات النص وجدوى إدراجه في المقرر وفي المحور.

قبل البدء ؛ لابد أن نذكر أن واضع المنهاج قد قرر الغاية من إدراج النص التواصلي في المقرر؛ وعلى ضوء ذلك حدد موقعه في كل محور ؛ وهي غاية ذات أهمية قصوى في نظري ؛ تتمثل كما ورد بالنص  في الوثيقة المرفقة بالمنهاج في" استغــلال النص التواصلي لجعلـــه يقف موقفا نقديـا من الظاهرة التي يتـناولها النص الأدبي" .وضمير الفاعل المستتر في الفعل يقف يعود على الطالب ، وهذه الغاية ذات أهمية قصوي ؛ لأن الفكر غير النقدي ،أو الفكر الذي -لا يمتلك أو- يمتلك أدوات نقدية مشوهة ومعيبة ، هو فكر ببغائي أو فكر أعمى ؛ يحيد عن الطريق مضطرا رغم إنفه ليهوى في المنحدرات والمهالك.
 
وقد وقع اختياري على هذ  ا النص من الكتاب المقرر على سبيل المثال لا الحصر ، ليعلم المهتمون من الأولياء بعض ما يعانيه أبناؤهم ، ولينتبه المدرسون إلى ما يدرسون، إذا سمح لهم إعدادهم واستعدادهم  . لعلهم يخففون من معاناة أبنائهم  ، ويمنعون التشوهات الفكرية التي تتهددهم وتعود على المجتمع عامة بالويل .

 وأول ملاحظة تصدم القارئ  للنص بعد القراءة الأولى هي أن اختيار النص غير موفق تماما "فعنوان النص هو النزعة الإنسانية في الشعر العربي المعاصر" وهو عنوان مضلل  إذ لا وجود للمدلول الذي يوحي به؛  فالنص لا علاقة له بالنزعة الإنسانية ، ولا بالشعر العربي المعاصر، وخاصة وأن جميع  من له علاقة بالأدب  والنقد، يعرف حتي المبتدئين  ، أن النزعة الإنسانية  تيار فلسفي وفكري وفني له إطاره ، الزماني من حيث النشأة والتطور(أروبا) ، والزماني عصر النهضة الأوروبية في أوائل القرن الخامس عشر ،  وله محدداته و خصائصه ووظائفه ومقاصده، بينما النص المقرر يتحدث عن المشاعر الإنسانية، ويستشهد بشواهد تعكس أحاسيس فردية منكفئة على ذاتها والفرق كبير بين العنوان ومضمون النص.


فالنص إذن منذ البداية ، يخلط بين المشاعر الإنسانية ؛ والنزعة الإنسانية في الأدب والفن، ويدخل العصور الأدبية بعضها  في بعض بشكل فوضوي فضيع ، وبهذا المنطق الفوضوي يريد  الكاتب معاوية كوجان  أن يدلل في نصه على وجود النزعة الإنسانية في الشعر العربي المعاصر مستدلا بشواهد من العصر الأموي ، و العباسي ، وعصر الإحياء ،وبداية عصر النهضة ، وفي مقدمة البراهين التي يستعرضها  ليقنعنا بصحة ما يذهب إليه  وجود مشاعر حزن في قصيدة  رثاء جرير لزوجته  وقصيدة ابن الرومي في رثاء ولده ؛ وبوجود مشاعر مماثلة في رثاء المتنبي لجدته ، وفي رثاء البارودي لأم ولده؛ و إذا كان هذ المنطق الفوضوي ، وبتعبير مباشر اللامنطق  مقبولا  فكان الأجدر بالكاتب أن يستدل على وجود النزعة الإنسانية في الشعر العربي المعاصر بقصائد فحول العصر الجاهلي في البكاء على الموتى  : كالخنساء في رثاء أخيها صخر ؛ ومهلهل ربيعة في رثاء أخيه كليب فشعرهما أغنى بالمشاعر وأصدق ، وأرقى وأرق ،وإذا جاز قبول هذا عند الإصلاحيين من رجال التربية والتعليم عندنا وتبنيه ؛ ورأوا ضرورة تنشئة الأجيال عليه ، فعلى نقاد العالم أن يعدلوا مفاهيمهم النقدية  بحيث تغدو كل قصيدة فيها مشاعر حزن وأسى مصنفة  ضمن إطار الشعر العربي المعاصر والمنتمي إلى تيار النزعة الإنسانية التي ظهرت في عصر النهضة الأوربية حتى وإن كانت من الأشعار التي ترويها  بعض الكتب التراثية الصفراء ،وتنسبها إلى آدم ، أي أن كل الشعر العالمي بما فيه شعر عصر الانحطاط في أروبا ،يمكن أن يدرج ضمن الأدب الإنساني إذا وجدنا فيه مشاعر فرح أوحزن أو أي شكل من الأحاسيس البشرية  ، ولا يستثنى إلا  الشعر التعليمي الذي تغلب عليه النزعة العقلية .
 واعتماد مثل هذه الأقوال البعيدة عن الحقائق العلمية ،والخصائص النقدية المحددة والفارقة بين العصوروالمذاهب والتيارات والمدارس النقدية ، جهل وتجهيل مبرمج ممنهج ،لأن جرير عاش ومات في العصر الأموي ؛و ابن الرومي  عاش ومات في العصر العباسي (835-896م) و مثله المتنبي . والبارودي(1838-1904م) من شعراء عصر الإحياء ، واعتبار أشعار هؤلاء من الشعر العربي المعاصر  حسب ما يقتضيه العنوان والمحور كفر في شريعة النقد ، وحتى وإن كان بعضهم من المتأخرين نسبيا مثل البارودي إلا أنه لا أحد يستطيع أن يجادل في كون البارودي   شاعر مقلد سار في كل شاردة وواردة  على نهج شعراء الجاهلية ، وشعراء العصر العباسي، محتذيا آثارهم حذو الحافر بالحافر، ولا علاقة له بادب النزعة الإنسانية في أروبا ، ولا بالأدب العربي  الحديث أو المعاصر  ومثله معروف الرصافي(1875-1945م)،  فهو شاعر تقليدي ينظم على نهج السابقين في أفكارهم وأغراضهم ،مع الإقرار بأن في بعض قصائده مواقف تنزع  نزعة إنسانية لا تنكر لكنها جاءت عفو الخاطر من غير قصد ،ورغم ذلك فإن  المنطق والموضوعية يحتمان أن يوضع ذلك في عصره "بداية عصر النهضة "بعيدا عن الشعر المعاصر.  في ظل تبني مثل هذا النص من طرف وزارة التربية ، ورجال التعليم فيها ، وفي ظل هذا الخلط يصبح من حق الطالب أن يقول أي كلام، إذ لا شيء يمنعه بعد ذلك  وانطلاقا من النص وعنوانه ، أن يعتبر أن وجرير، وابن الرومي، والمتنبي، والبارودي ومعروف الرصافي هم أقطاب الشعر العربي المعاصر، وهم حملة لواء النزعة الإنسانية فيه ؟؟.
إن المتفق عليه لدي كل الدوائر العلمية العالمية ،  أن النزعة الإنسانية ظهرت بوادرها الأولى في فلورنسا في إيطاليا؛ في القرن الخامس عشر ؛ مع بترارك ( 1304م- 1373م)، ومنها انتشرت بعد ذلك ، وهذا التيار لم ينتقل إلى الأدب العربي إلا بعد عدة قرون من ذلك ، حين تم ربط الاتصال بالأدب الغربي على المستويين النقدي والإبداعي  ، في الثلث الأول من القرن الماضي ، بفضل البعثات العلمية والترجمة وأشكال التبادل الثقافي المختلفة.
 
ويحق لنا أن نسأل : هل أدرج النص؛ وما يماثله  في المنهاج ؛كي يبني المفاهيم العلمية  والأحكام النقدية الصحيحة ،أم وضع لتسطيح العقول وتعويدها قبول ما يلقى عليها  هدما وترويضا لها ؟.

 قد يقال أن الكمال لله ، ونحن نخوض محاولات إصلاح المنظومة التربوية ، قد تقع بعض الإخطاء والنقائص ، وهو دفع  مردود يقف في وجهه الإصرار على الخطأ ، لأنه ولكي يستقيم مثل هذا التبرير البائس بؤس النص والاسئلة الملحقة به ؛ كان من المفترض- خلال السنوات الطويلة من تأليف الكتب المقررة ،  وللتخفيف من حجم هذه الفوضى العارمة ، - القيام على الأقل بتغير العنوان ليتلاءم قليلا مع المحور مثل "ملامح من النزعة الإنسانية في الشعر العربي القديم والحديث"  والابتعاد كليا عن الشعر المعاصر لعدم وجود أي علاقة بين المحور والكفاءات المستهدفة منه ، والمضامين المدرجة كوسائط لتحقيقها وبين  نصوص الشعر المعاصر التي ترد في المحاور اللاحقة .

ثم ما العلاقة بين ما جاء في النص التواصلي هذا ، وبين الكفاء المستهدفة  البحث عن "النزعة الإنسانية في الشعر المهجري" وأي من الشعراء  المستشهد بنصوصهم هاجر إلى أمريكا ،ويعد من شعراء المهجر؟ وكيف يرفض بعد ذلك لطالب عَنَّ له أن يستدل على وجود "النزعة ألإنسانية في الشعر المهجري" بأبيات من شعر جرير و ابن الرومي والمتنبي ، أو البارودي ، أو شوقي ومن عاصرهم ، ولم يهاجر؟،ومنه رأى ان المهاجر هي: بغداد وحلب ومصر وسرنديب.

وكان على المشرفين على اختيار النصوص - قبل هذا- اجتناب مثل هذا النص لأن فيه قصورا ظاهرا  كون كاتبه  معاوية كوجان نفسه لا يحسن اختيار الشواهد  وهمه هو تحبير بياض الورق
و إشباع تلك النزعة الشوفينية التي نماها فينا إحساسنا الرهيب بالنقص والدونية ،  وشعورنا بتخلفنا البشع ، فرحنا نحاول ان نثبت للأمم الأخرى بأننا سباقون في كل شيء صدقا أو ادعاء، والقصور يتمثل  في سوء استشهاد كاتب النص على ما يريد إثباته  لأن لابن الرومي نفسه قصائد يمكن أن ينطبق عليها ما عرف فيما بعد بالنزعة الإنسانية لأي أروبا مثل قصيدة الحمال البائس وإن كان بعيدا عن الشعر المعاصر بعد السماء عن الأرض مثله مثل كل النصوص التي أوردها.

واستباحة معاني الألفاظ  ؛ والمصطلحات والمفاهيم ،  وتكسيرها والخروج بها عن حدودها بدون إي مسوغ عقلي منطقي ، وبدون علاقة ، وبدون أية قرينة مانعة  تمنع عن الكلام الحيدة العمياء عن القصد ، وتحترم مرجعية اللفظة  ؛ مع تبرير استعمالها المجازي ومقتضياته إن وجدت لذلك حاجة  ، وممارسة هذه الفوضى  العدمية في المدرسة والمسجد ، والجامعة وعلى ألسنة ( العلماء ورجال التربية والتعليم) ،والنخبة المتصدرة لتدبير الشأن  العام ، هو الذي خلق  الفوضى في الأسر والشوارع  والمحاكم والإدارة في الوطن العربي بأسره فأصبح لكل فرد لغته الخاصة ، ومصطلحاته التي لا يفهمها غيره ، وفهمه الخاص للمصطلحات الموجودة  ، فهم لا يشاركه فيه غيره أيضا. وصار الحمار حماما والحمام أحمرة ، والبليدة أبعد أم القازوز أحلى...؟.

والمصيبة أن  الوزارة  التي يؤطرها جيش ممن نالوا مناصبهم مقايضة لجهودهم في الحملات الانتخابية، ومكافآت على خدمات نقابية  ، أو تحت ضغوط وتهديدات فئوية وجهوية ، حتمت على النظام إرضاءهم في إطار تطبيق نظرية "شراء السلم المدني" ؛هم في جميع الحالات أسوأ بكثير ,وأدنى مستوى من كاتب النص؛ وممن اختاره ؛ووضع أسئلته ؛وأدرجه في المنهاج .
والأستاذ المسكين ؛وخوفا من أن يثير غضب المفتش ، أو الإدارة ، وتحت ضغط كثافة البرنامج ؛ والتزامه بالمقرر فيه ، واجتنابا لمشاكل الطلبة  وإهدار الوقت ؛ يجد نفسه مجبرا على تقديم النص على هذا الوضع البائس.

المأساة الثانية أن هذا لا يخص الأدب وحده أو هذا النص وحده ، ولكنه يشمل مادة الشريعة ، والتاريخ ، وهذه المواد هي القاعدة التي تغذي فكر المقبلين على الجامعة التي ستخرج لنا  الساسة والإعلاميين والقضاة والمدرسين والدعاة والأئمة ، وغيرهم من حملة  الألقاب ، والذين  لا يمكنهم أبدا أن يفهموا العالم أو يفهمهم كما هو حال العرب عموما.

والمآساة الثالثة، أن سلم التنقيط في البكالوريا يوضع على أساس من مثل هذه المفاهيم المشوهة والمغلوطة ، والناجحون فيها يكون على  مقدار ما  تحقق من تشوهات في طرق تفكيرهم ، وهي  الغايات المرسومة كمعالم  ومؤشرات لنجاح العملية ، وبها يرشحون ليكونوا هم  أطر مستقبل هذه الأمة العرجاء والتي لن تتقدم لأننا نتوارث التخلف ونجذره جيلا بعد جيل.
 
الضيف حمراوي 2014/011/08

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

القول ما قالت حذام

  قا ل ، وروي ، والقول ما قالت حذام مع افتراض صدق النية، وسلامة الطوية ، فإن البصر بطبيعته كثيرا ما يخدع ، فيوقع الإدراك في الخطأ، فينقل ال...