السبت، 31 يوليو 2021

القول ما قالت حذام

 قال ، وروي ، والقول ما قالت حذام

مع افتراض صدق النية، وسلامة الطوية ، فإن البصر بطبيعته كثيرا ما يخدع ، فيوقع الإدراك في الخطأ، فينقل اللسان خطأ الإدراك إلى السمع الذي يضيف نصيبه من الخطإ إلى الرواية، ويفهم المدون الرواية حسب قدراته وموارده وميوله لا حسب وقوعها وواقعها في عالم المشاهدة ، ويدون ذلك في مخطوطه، ويأتي المفسر فيدمر ويحور ويؤول ويحور حتى يرضى عقله وتطمئن قناعاته وميوله ومعتقداته، فيقول لك هذا هو الحق وما سواه انتحال وضلال وقول بالمحال، وقد تكون البداية من نصف الحواس مع السهو والكسل والغفلة و النعاس، وعليك أن تؤمن وتسلم بما يقول الشيخ العلامة ، البحر الفهامة ، الذي لا يرد له فهم ، ولا يخطئ له سهم وإلا اتهمت بأنك تريد هدم الأساس ، وإضلال الناس، ومن أتباع الوسواس الخناس.

الأربعاء، 18 نوفمبر 2020

الشعر التعليمي نشأته وتطوره .

 

الشعر التعليمي عنوان غير دقيق لخلو المنظومات التعليمية من أركان الشعر وهي:  العاطفة، والخيال، وجماليات اللغة التصويرية المفعمة بالمجاز و ألوان الإيحاء.

وعليه فإن تسمية هذا الأسلوب في التعليم بالشعر إنما هو من باب التجاوز بحكم التشابه في الجانب الشكلي ليس إلا. وأغلبه أراجيز على وزن بحر الرجز تاما أو مجزوءا ( مستفعلن مستفعلن مستفعلن===مستفعلن مستفعلن مستفعلن).

فنظم العلوم في نصوص على أوزان شعرية مقفاة كفن يسهل حفظ العلوم ويحببها للمتعلمين ويمكنهم من استحضارها عند الحاجة لا علاقة له بالشعر كإبداع إلا من الناحية الشكلية: الوزن، والتشطير، والتقفية.

تعد الارجوزة الأموية  أول (نظم) شعر تعليمي ظهر في اللغة العربية على يد العجاج، وابنه رؤبة، جمعا فيها ألفاظ العربية وشواردها وأمثالها وحكمها ونوادرها. يقول الدكتور شوقي ضيف: "والأرجوزة الأموية من هذه الناحية تعد أول شعر تعليمي ظهر في اللغة العربية".

توسع نظم العلوم في قصائد موزونة الذي أسس له العجاج في اللغة العربية يقول شوقي ضيف "ألهمت الأرجوزة الأموية الشعراء في العصر العباسي أن يقوموا بنظم شعرهم التعليمي، كما ألهمت أصحاب النثر وضع المقامة"

وترسخ (الشعر التعليمي ) وأصبح ميدانا يتنافس فيه العلماء بعد إطلاع العرب على مثله ونظيره عند اليونان (ملحمة هوميروس) وذلك عن طريق الترجمة التي ازدهرت في القرن الأول من  العصر العباسي الأول 132 هـ  749م ) ـ ( 232 هـ 850م).

فظهرت نتيجة للعاملين السابقين معا المنظومات التعليمية كمنظومة الخليل بن أحمد الفراهيدي المتوفي سنة 170 هـ  786م التي ضمنها بعض معاني ووظائف حروف العطف وحروف النسق :

فانسِقْ وصِلْ بالواوِ قوَلكَ كلَّهُ         وبِلاَ  وثُمَّ وأَوْ فَلَيْستْ تصْعُبُ.

الفاءُ ناسـقه كذلك عـندنا                وسبيلها رحبٌ عندَنا مشعب.

أي حروف النسق عند الخليل بن أحمد هي : الواو، ولا، وثمَّ، و أوْ والفاءُ.

اتسعت معارف العرب العلمية نتيجة ازدهار حركة الترجمة و الاطلاع بفضلها على تراث وحضارات شعوب البلدان المفتوحة في مقدمتها اليونانية، والرومانية، والفارسية والهندية فشمل الشعر التعليمي ـ زيادة على علوم اللغة ـ مختلف مناحي الحياة  الدينية ،والفكرية والفنية ، كالفرائض، والأحكام، والتاريخ والتربية والصناعات وغيرها.

تتابع تنافس العلماء في نظم المتون العلمية فتنوعت مجالاتها وميادينها ومواضيعها منها أرجوزة منصور اليشكري المتوفى (370 هـ  980م ) في النحو (3910 بيتا).ومنظومة الحريري المتوفي سنة (512 هـ ـ1118م). "ملحة الإعراب" حتى بلغت أوجها في عصر المماليك،( 648هـ ـ1250م )ـ (923هـ ـ 1517م.) ،الذي عرف بعصر الضعف والانحطاط لضعف الشعر الوجداني والنثر الفني فيه ، ووفي المقابل أصبع نظم العلوم هو ميدان التباري المفضل للعلماء فظهرت متون مطولة في نظم العلوم كمنظومتي ابن مالك  المتوفي سنة( 672 هـ ـ1275م). (الكافية والشافية) و (الخلاصة الألفية). ثم توالت المنظومات المختلفة .

وفي النحو وعلوم اللغة راجت وشاعت منظومات الشعر التعليمي حتى بلغت عشرات المتون الشعرية  لعشرات الناظمين من النحاة . وأصبحت من ركائز تعليم النحو والصرف وقواعد اللعة العربية وعلومها في الكتاتيب والمدارس.

وفي علم قراءات القرآن نظم الشاطبي توفى  (790 هـ ـ 1388م منظومته "حرز الأماني ووجه التهاني" في القراءات السبع.

ونظرا لإقبال طلاب العلم على حفظ المتون المنظومة في مختلف العلوم خاصة في النحو تصاعد تنافس النحاة في نظمها في العهد العثماني (698 هــ 1299م )ـ(1341هـ م ـ1923 م ) فازدادت كثرة ً وإن لم تلق نفس الحفاوة التي حظيت بها ألفية ابن مالك ، ومن أشهر منظومات النحو في هذا العصر  " «المقدمة الآجُرُّومية في مبادئ علم العربية» "  المشهور "بالأجرومية " لمحمد بن عبد الرحمن بن أجروم المتوفى سنة . (672 - 723 ه) (1273 - 1323 م) ، وأرجوزة " الألغاز النحوية لعصام الدين بن عربشاه الإسفراييني المتوفي ( 951هـ ـ1544م)  ومنظومة شرف الدين العمريطي المصري  توفي حوالي( 988 هـ ـ 1580 م ) "الدرة البهية في نظم الأجرومية" ، ومنظومات أخرى في النحو وغيره من العلوم الرائجة في ذلك العصر.

 

 

الجمعة، 18 سبتمبر 2020

جنازة الأمل

جاء الحراك ؛ يريد أن يصلح الجزائريين ويسعدهم رغما عنهم، وبعد عام راحت السكرة وجاءت الفكرة، حين فرت الفرصة التاريخية ، وتبين أنه لا أحد من التعساء المستعبدين المسالمين مستعد لتغيير الحال ؛ ومعانقة الآمال ، والإجابة عن السؤال : ماذا بعد ؛ إذا كان المرض المستعمر أقوى وأعصى ، والمريض منهك ؛ أقل حيلة ؛ يحارب بلا سلاح، ودون وسيلة سرطانا مستعصيا متمكنا لا يمكن اجتثاثه إلا باجتثاث مؤلم لجزء عزيز من الجسد؟.. ماذا بعد؟! لا شيء سوى أن يسير المرضى خلف جنازات الذين كانوا يريدون علاجهم، ليدفنوهم جنبا إلى جنب أحلامهم المتساقطة بفيروس الكورونا وضربات الذين خانونا ، ورش المقابر ببذور قد تكون بينها بذرة ناضجة طمعا ،في انتظار أن تمر من هنا سحابة ممطرة .ذات خريف ، وقد... لا تمر

الجمعة، 22 مارس 2019

إذا جهرت بالحقيقة تشتغل المقصلة

 
يحكى أنّ ثلاثة أشخاص حكم عليهم بالإعدام بالمقصلة وهم : عالم دين - محامي - فيزيائي.
وعند لحظة الإعدام تقدّم ( عالم الدين ) ولما وضعوا رأسه تحت المقصلة ، وسألوه :هل هناك كلمة أخيرة توّد قولها ؟
 فقال ( عالم الدين ) : الله ...الله.. الله... هو من سينقذني وعند ذلك أنزلوا المقصلة، فنزلت المقصلة وعندما وصلت إلى رأس عالم الدين توقفت.
فتعجّب النّاس، وقالوا: أطلقوا سراح عالم الدين فقد قال اللهُ كلمَته . ونجا عالم الدين .
وجاء دور المحامي إلى المقصلة فسألوه: هل هناك كلمة أخيرة تودّ قولها ؟
 فقال: أنا لا أعرف الله كعالم الدين ؛ ولكن أعرف أكثر عن العدالة، والعدالة هي من سينقذني .
ونزلت المقصلة على رأس المحامي، وعندما وصلت إلى مقربة من رأسه توقفت ..فتعجّب النّاس وقالوا : أطلقوا سراح المحامي ، فقد قالت العدالةُ كلمتَها ، ونجا المحامي.
وأخيرا جاء دور الفيزيائي..
فسألوه : هل هناك كلمة أخيرة تودّ قولها ؟
 فقال : أنا لا أعرف الله كعالم الدين ؛ولا كلمته التي قالها ، ولا أعرف العدالة كالمحامي ، ولا كلمته التي قالها ؛ ولكنّي أعرف أنّ هناك عقدة في حبل المقصلة تمنع المقصلة من النزول؛  فإذا أصلحت أدت المقصلة وظيفتها.
فنظروا المقصلةَ فوجدوا فيها فعلا عقدة تمنعها من النزول
 ، فأصلحوها ؛ وأنزلوا المقصلة على رأس الفيزيائي  فقطع رأسه.
عن عبدالله حسن "منقول بتصرف بسيط"

الاثنين، 25 فبراير 2019

الوطن الأسير والمستقبل

.

-على الشعب أن يدرك أن النظام الفاسد الحاكم في الجزائر هو نظام فرنسي عمره مائتي عام تقريبا.

- وهو نظام من عائلات الباشغوات والقياد والزوايا والخونة والمجندين الذين قاتلوا الأمير عبد القادر وكل ثورات الشعب الجزائري منذ 1830 حتى الأن ؛ وكان هذا النظام طابورا تابعا في الجيوش الفرنسية حتى 1962 تاريخ جلاء الاستعمار المباشر وبدابة الاستعمار المقنع بقيادة وكلاء فرنسا الأوفياء الذين خادعوا الشعب وأوهموه باستقلال لم يذق طعمه أبدا وبالتالي كانت فرنسا قد خسرت كل معاركها مع الجزائريين خلال سبع سنوات ونصف لكلها بخبثها وذكائها كسبت الحرب ؛ ونصبت لفيفا أجنبيا ليمارس حكم الشعب لفائدتها ووفق أوامرها هنا ؛ رغم فداحة التضحيات التي قدمها الشعب الجزائري.

والمهام الكبرى الموكل لوكلاء الاستعمار تنفيذها من داخل الوطن المستقل شكليا وإعلاميا هي: -

1- مواصلة تفرقة وتفتيت الشعب الجزائري بتصفية أو إبعاد كل القادة الحقيقيين لثورة نوفمبر 1954م وتعويضهم بعناصر من جيشها (DAF ) ومن أبناء القياد والباشغوات والعملاء وتثبيتهم في مراكز القرار والسلطة المدنية والعسكرية ؛ وإثارة الفتن العرقية الإثنية؛ واللغوية والثقافية والجهوية؛ والدينية المذهبية؛ والصراعات السياسية والاجتماعية والطبقية وتسير هذه الفتن حسب ما تقتضيه مصالح فرنسا وأهمها إبقاء الجزائر في حالة تخلف عام وشامل يسمح لهم بمعاملة الشعب كقاصر وهمجي ومتخلف لا يحكم إلا بالظلم والفساد والقمع .

2- إبقاء الجزائر بثرواتها ساحة مفتوحة للنهب أمام فرنسا بالدرجة الأولى ؛ ثم أمام أوروبا والولايات المتحدة ؛ وأهمها المحروقات والذهب واليد العاملة الرخيصة من جهة؛ وإبقائها كسوق شاسعة واعدة أمام الصناعة والمنتوجات والسلع الرديئة الفرنسية والأوروبية الممنوع تسويقها في العالم المتحضر.

3- ضمان أن تبقى الجزائر - وشقيقتاها المغرب وتونس- معابر تعبر من خلالها القوات والفرنسية وشركاتها الناهبة إلى مستعمراتها في الساحل وإفريقيا، وأن تكون في نفس الوقت كسد واق تمنع الشعوب الجائعة التي استنزفت فرنسا ثرواتها وقدراتها من الهجرة نحو فرنسا وأوروبا. و السلطات الفرنسية ومخابراتها تتابع تنفيذ هذه المهام باستمرار وتأمر بتعديلها وتكييفها عند الحاجة حسب الظروف والمستجدات، وتسهر في المقابل على توفير الحماية والعلاج لوكلائها ولودائعهم في بنوكها ولممتلكاتهم في مدنها وفي سويسرا.

- هذا النظام يحارب الشعب منذ 1962م ليس بالسلاح فقط بل بتشويه التاريخ وتزويره وإعادة إدماج عملائه على رأس التنظيمات المدنية والسياسية والنقابية وقد تمكن منذ البداية من اختراق ما يعرف بـ (العائلة الثورية) وقضية بن يوسف ملوك كانت محاولة تصدي لإدماج أعداء الشعب في مؤسسات الدولة الحساسة لكنه فشل في تصديه ودفّعته محاولته النبيلة الثمن غاليا لأن المستعمر كان قد أعادة تأسيس تواجده في مراكز القيادة.

- هذا النظام لن يسمح أبدا ومهما كانت الظروف بتحرر الجزائر من السيطرة الفرنسية وإقامة نظام ديموقراطي فيها لأن أخطر ما يهدد مصالح فرنسا وجيوشها العاملة في الجزائر هو قيام "جزائر حرة ديموقراطية".

- هذا النظام لن يتورع عن استعمال كل الوسائل حتى تلك الوحشية والمحرمة في الأعراف الأخلاقية والقوانين الدولية للحفاظ على بقائه واستمراره.

- على الشعب أن يدرك أن لهذا النظام امتدادات عائلية وإدارية وأمنية واقتصادية وحتى شعبية تديرها شبكة من الفاسدين المنتفعين من الفساد بكل أشكاله تحميها قوانين وأجهزة وُجدت لهذا الغرض خصيصا.

- الوجوه الممسوخة التي يطل من خلالها هذا النظام على الشعب – بما فيها رأس النظام- هي مجرد بيادق وأدوات لا حول لها ولا قوة تقول وتفعل ما أمرت أن تقوله وتفعله.

- أن مواقف القوى الخارجية متضاربة بسبب الموقع الاستراتيجي للجزائر وقربها من قلب أروبا فأمريكا تخشى أن تتحول الجزائر إلى موقع متقدم للسلاح الروسي والصيني الذي يمكن أن يواجهها على الشاطئ الشرقي للمحيط الأطلسي، وهي نفس مخاوف أوروبا. بالإضافة إلى مخاطر الهجرة غير الشرعية من الجزائريين والأفارقة، وخاصة وأن الاتحاد الروسي - تسنده الصين في صمت - قد أكتسب تجربة واسعة في سوريا عسكرية ودبلوماسية مكنته من خبرة واسعة في مقارعة أمريكا وزحزحتها بعيدا عن حدوده الغربية الجنوبية وعن الهيمنة المطلقة على البحر الأبيض المتوسط وعليه فإن الصراع بين العمالقة الذين يفكرون في مصالحهم وأهدافهم الاستراتيجية دون أي اعتبارات أخرى سيكون شرسا وعنيفا على ساحة الأرض الجزائرية.

- يترتب على ما سبق أن يدرك الشعب أن إزاحة هذا النظام الغاشم المتعنت المعاند عناد الثيران والذي لا يهمه مصير الوطن والشعب ليس بالأمر السهل؛أي بمسيرة أو مسيرتين وليوم أو يومين ؛ أو لأسبوع أو أسبوعين بل عليه أن يتسلح بطول النفس ؛ والاتحاد والتوحد؛ وجودة التنظيم ووضوح الهدف :" إسقاط النظام ؛ وإقامة جزائر حرة ديموقراطية" ؛ وتحريم كل الهتافات والشعارات والتصريحات التي تفرق ولا تجمع : الدينية والمذهبية والجهوية والفئوية والتي سيعمل النظام بكل ما يملك لتسريبها في المسيرات الاحتجاجية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام العفن الذي سيسارع لنشرها عبر قنواته وقنوات الشياتة.

- على الشعب أن يوثق بكل الوسائل و ينشر مفاسد وتجاوزات وجرائم هذا النظام وجرائم أجهزته في حق الأبرياء من أبناء الشعب الماضية والحالية على أوسع نطاق وبكل اللغات الممكنة ليتفهم المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والحقوقية لواقع الشعب وأشكال القمع التي تسلط عليه خارج الأطر القانونية .

- الاستفادة من الأخطاء التي أفشلت ما عرف بثورات الربيع العربي؛ وعدم اللجوء للعنف مهما كان عنف النظام وتوحشه في التصدي للحراك الشعبي.

أن يشكل الحراك ممثلين له يبلورون أهدافه ويؤطرون حراكه الذي سيكون طويلا وشاقا بلا شك؛ لأن شر الأغبياء وعملاء فرنسا وأتباعهم سيكون مؤلما كالعادة بلا ريب.

الثلاثاء، 5 فبراير 2019

خطاب المسؤول العربي والمستعرب غايته خدعة.



بعض ما يعرفه السياسي العربي والمستعرب عن نفسه وعن خطابه الذي يوجهه إلى المواطن ويجهله المواطن- والسياسي هنا لا يقصد به عالم السياسة Politologue وإنما يقصد به الخادم للنظام المسترزق من خدماته.

يعرف السياسي أنه يهدف من خطابه إلى جر المواطن إلى مراده من خلال :

- 1خطاب بعيد عن الحقيقة وعن الواقع ومغرق في الشعارات الفارغة و في الفرضيات والاحتمالات والأرقام والنسب التي يستحيل التحقق منها والوعود الوهمية.

- 2خطاب انتقائي يشتت فكر المواطن يقفز من قضية إلى أخرى ومن موقف إلى آخر… بلا رابط منطقي ؛ مغرق في استثارة المشاعر العاطفية بالتركيز على تعابير خادعة مستغلا بخبث قداسة المصطلحات ومقتضيات مضامينها كـ: مصلحة البلاد ؛ خدمة الوطن؛ أمن الوطن؛ الدفاع عن المصلحة العامة للشعب ... وما شابه ؛ خطاب بعيد عن كل ما يمكن أن يثيرشكوك المواطن أو ينبهه إلى الهاوية التي يدفع إليها.

- 3خطاب اختزالي يركز على بعض النقاط البسيطة التي يريد المواطن سماعها فيفصلها عن الواقع ويفرغها من محتواها (الديموقراطية ؛ الأمن؛ العمل) ويضخمها ويركز عليها متناسيا الأهم منها وكأنها هي أس الوجود ويجعلها مادة للعلف؛ فإنجاز طريق ؛و بناء سد ؛ إقامة مصنع يلهي عن تضييع أمة ؛وبيع وطن، وتحطيم اقتصاد.

- 4خطاب مرائي يظهر الأسى لمآسي المواطنين ويعبر عن تضامنه معهم واحترامه لهم وهو في سريرته يتشفى منهم ويحتقرهم وليس كما يسمع من خطابأنه والدليل على ريائه هو استعداده لأن يوعز لمختلف القوة القمعية بالتدخل إذ لم يحصل من مخاطبيه على التسليم والخنوع.

– 5خطاب ترهيبي وترغيبي: وهذا عنصر قديم في فرض إرادة الحاكم وتثبيت استعباد وعبودية المحكومين وقمع المعارضين الذين قد لا تنفع معهم المؤثرات السابقة. ؛ والغالب أن يكون خطاب السياسي مهادنا وعلى قدر من الليونة إذا كانت الرعية منقادة مسالمة ولكنه يتحول إلى النقيض إاذ أحس السياسي بوجود ما يثير مخاوفه بشكل جدي.

- 6خطاب مضلل: كل العناصر السابقة هدفها تضليل المواطن وقيادته إلى ما يريده السياسي؛ وما تقتضيه مصلحته الخاصة ومصالح معسكره وأعوانه الذين يمسك بواسطتهم رقاب الشعب ويخضعه ويتصرف في ثرواته ومصيره وهو يدرك أنه لن يتردد في إلحاق الأذى وعن قصد ليس بالشعب فقط بل بهيبة الدولة التي يمثلها ويتظاهر بحرسه على حمايتها وخدمتها ؛بل وله الجرأة على التضحية بكيانها وهو يدرك أنه لن يتوانى عن تركها إذا ما تهاوت أركانها إلى دولة أخرى بها عقاراته ومدخراته المهربة .
 

السبت، 5 يناير 2019

تسألني عن حضور الجنائز.



سألني أخي الأستاذ الميلود بوخاري عن رأيي في حضور الجنائز  بالصيغة التالية : [وماذا عن حضور الجنائز نورنا يا شيخ ] "

أخي الميلود

تسألني عن حضور الجنائز؛ وأنت تعلم بأنني لست رجل دين؛ وتعلم أنه  في عرفنا إبداء رأي العقل في الدين مشين  ولكن السؤال جدير بالتفكير؛ وقد سألته لنفسي  من قبل لأنه شغلني دون أن أهتدي فيه لقول فصل لعدة أسباب فدفنته ؛ وها أنت تبعثه من مكمنه:-

 أخي الميلود:

 إن الهدف النهائي من الجنازة هو إكرام الميت بالدرجة الأولى من خلال التعجيل بدفنه ؛ وذلك  بعد تغسيله و الصلاة عليه وأعلم أنه من تمام إكرام الميت حمل جنازته ومشي المشاة أمامها وسير الراكبين خلفها دون إبطاء ولا استعجال في صمت وخشوع والدعاء لها بالرحمة حتى بلوغ  المقبرة؛ حضور عملية وضعه في قبره ودفنه في صمت وتفكر وتدبر واعتبار ثم ينصرفون وهم يدعون له بالرحمة والمغفرة متوجهين إلى بيت ذويه لتقديم العزاء. هذا ما أعرفه وفق المذهب المالكي.

وفي رأيي فإن اختلاف الجنائز كان وسيبقى يختلف حسب اختلاف الموتى  ومراتبهم السلطوية و الاجتماعية والمالية ؛ وحسب اختلاف الحضور وثقافاتهم وأخلاقهم ونواياهم وأهدافهم ومعتقداتهم الدينية والمذهبية ؛ وهذا لا يسمح لي بإبداء أي موقف محدد؛ لكني ألزم نفسي بحضور بعضها ؛ والامتناع عن حضور بعضها الآخر، وهاك ثلاثة أنواع من الجنائز:

النوع الأول:

 جنائز رسمية بتكاليف نقدية ضخمة تصرف على عاتق خزينة الدولة فقيرة كانت أو غنية ؛وتظهر في شكل مواكب جنائزية ؛وترتيبات وإجراءات أمنية؛تجند لها وسائل الإعلام المختلفة لتمجيد الميت وذكرمآثره وبطولاته وإنجازاته والفراغ الذي تركه  حتى وإن كان المسؤول في قائم حياته بلا فضائل  ؛ بل وحتى لو كان مستبدا مجرما جر الخراب على البلاد والعباد وأكثر الحاضرين لهذه الجنائز فئات هم:

1- فئة رجال السلطة المنخرطين في الحكم بصفة قائمة وفعلية وهؤلاء هدفهم من الجنازة معرفة وقياس المكانة التي يشغلها رجال الحكم والجماعة الحاكمة التي كان الميت عضوا فيها وأبلى في خدمتها في قلوب أعوان النظام ومختلف أجهزته وعلى رأسها العسكرية والأمنية  وفي قلوب الشعب ؛ ولطمأنة باقي الشركاء في السلطة على وحدة الحلف واستمراره و الوفاء للجماعة ومبادئها وأهدافها والاستعداد للدفاع عنها

2- عائلة الميت وأقرباؤه: وحضورهم طبيعي وواجب أخلاقي ولكن هذا لا يمنع وجود دوافع أخرى مضمرة يمكن أن تظهر ويعرب عنها في محادثات واتصالات جانبية ثنائية أو جماعية أسرية عائلية أو مختلطة يكون مضمونها غالبا تعزية ونصائح ومصالحات وتوصيات ووعود.

3- فئة المستفيدين: وهي الجماعات التي استفادت من امتيازات وفرها لها الميت ما كان لها أن تحلم بها لولاه ولولا كرمه ورعايته وحمايته في قائم حياته. وهي إذ تحضر لتعبر عن حزنها لمصابها تعبر في نفس الوقت عن اعترافها بالجميل للميت وعن مشاركة أهله أحزانهم ؛ وتبحث عن استمرار الحظوة التي كانت تتمتع بها لدى من يخلفه سواء  في النظام أو في العائلة.

 4- وفئة الطامعين وصيادي الفرص : وهؤلاء يحضرون الجنازة إذا سمح لهم  ليظهروا  للناس أنهم من ذوي الحظوة عند السلطة وعند عائلة المسؤول الميت ويظهر هؤلاء أشد وأكثر الحاضرين حزنا عليه ؛ولكن هدفهم هو تمتين أو تحسين مواقعهم لدى من في السلطة  من خلال اغتنام الفرص للتقرب من القيادات المؤثرة ولإقامة أو تمتين علاقات قائمة أو تجديد علاقات قديمة ضعفت أو اهتزت من خلال استعلال الاتصالات المباشرة التي وفرها الظرف ؛ والظفر بوعود  ومواعيد ما كان لها أن تحصل لولا الجنازة.

5- فئة الدهماء: هؤلاء يحضرون بدوافع عقائدية؛ أو لإشباع غريزة التجمع وحب الاستطلاع أوالالتقاء ببعض أهاليهم و أصدقائهم؛  والمرور أمام الكاميرات خلال عملية التصوير ولأغراض أخرى.

وأنت ترى أن هذه ليس لها من الجنازة سوى الاسم؛ وترى أن الشيء الوحيد الذي يجمع بين هذه الفئات من القيم الجنائزية هو قول: آمين على ما يدعو به الإمام لا غير.

 فهل يمكن أن تعد هذه جنازة؟.

النوع الثاني : وفي المقابل هناك جنازة إمراه صالحة في دشرة من المداشر المتناثرة عُرفَت بصلاحها وتقواها ومساعدتها للناس وماتت دون وريث أو قريب  أو ثروة أو منصب فهبت الجموع لتشييعها لا لشيء سوى للاعتراف لها بالفضل وبحسن الذكر والتضرع إلى الله ليسبغ رضاه على روحها ؟؛فهل ما يقال عن حضور هذه الجنازة وعن حاضريها يصح أن يقال عن الجنازة الأولى؟.

النوع الثالث: وماذا نقول عن جنازة شيخ فقير معدم ترك أرملة وأيتاما جوعى باكين؛ فلم ينفر لمواساتهم أحد؛و لم يسر في جنازته سوى حملة نعشه الأربعة وكلبه ؛ بينما المئات من جيرانه يتفرجون من بعيد؛ وكل منشغل بشأنه وكأن الأمر لا يعنيهم؟. هل نقول عنها ما قلناه عن سابقتيها؟.

النوع الرابع :هي ما نراه في منطقتنا وهي عادة ما تعكس منزلة الميت وعائلته الاجتماعية والاقتصادية في محيطها وهي جنائز تجمع بين الإعداد والتحضير وبين العفوية والتلقائية؛ فيها من الجاه والوجاهة نصيب؛ وفيها من اغتنام الفرص المصلحية نصيب؛ وفيها من التضامن العائلي والطبقي والحزبي والمذهبي نصيب ؛ وفيها من الأخلاقي الخالص البريء الذي يبغي توديع الميت والترحم على روحه والدعاء له و يرضي الضمير ويخفف عن ذويه  نصيب.

 أن الجنائز في حقيقة أمرها مظهر اجتماعي تشترك فيه البشرية جمعاء وفي كل القارات على اختلاف الطقوس حسب الأديان والمعتقدات ؛ وحسب تنوع الثقافات وتمايز الحضارات لتوديع الميت والدعاء لروحه  والتضامن مع ذويه في مصابهم.

أما مقولة أن الجنائز تقام للوعظ من الإمام  وتذكير الحضور بما ينتظرهم وتخويفهم بعذاب القبر وما شابه فلم يعد ذا مصداقية الآن و إن كان احتمال صلاحيته واردا  للمجتمعات البدائية الأمية وذات المستوى العلمي والثقافي المحدود ؛ أما في عصرنا فأطغى الطغاة  وفي معظم الأديان والحضارات يعلم يقينا أنه سيموت؛ ويعلم أنه سيعاقب أو يجازى إذا كان يؤمن بحياة الآخرة؛ ويعلم بأنه سيتحول إلى رماد يذرى أو تراب يداس إذا كان يكفر بالأخرة وفي كل الحالات فإن الذي لم ينهه عقله ولم يعظه ضميره وأخلاقه لن يعظه  إمام في مقبرة .فالتخويف والترهيب من العذاب عوض الحث على حرية الإرادة والاختيار وتقديس الفرد لشرفه وسموه بفضائله والتزامه بما يجب عليه كإنسان كرمه الله  لم يكن في يوم من الأيام وسيلة لتربية الأخلاق إنما كان دائما وسيلة للتقية و لتربية النفاق.

هذا رأيي في الموضوع؛ وهو أن حضور الجنائز ينبغي أن يكون للاعتبار؛ ولإكرام الميت والدعاء له؛ وللتضامن مع أهله ومواساتهم وليس لأي منفعة أخرى جلت أو قلت.

 

 

القول ما قالت حذام

  قا ل ، وروي ، والقول ما قالت حذام مع افتراض صدق النية، وسلامة الطوية ، فإن البصر بطبيعته كثيرا ما يخدع ، فيوقع الإدراك في الخطأ، فينقل ال...