الأربعاء، 29 أغسطس 2012

الحمار والفخار وقمر الشعير

الحمارُ والفخارُ وقُمْرُ الشَّعِير
          حمار مؤهلاته محدودة بطبيعة تكوينه ،  يرى أمامه قُمْرَ شعيرِ يسر الناظرين   ؛ فيشتهيه ويجري وراءه  ، يتبعه حيث جرى ؛ ويغدو قُمْرُ الشَّعيرِ هو الذي يرسم الطريقَ؛ ويحدد الاتجاه والمسلك والمسار ،  مادام راكبُ الحمار يغط في نومه ،  وقد يصبح الراكب وحماره  أول ضحايا القُمْرالمتأرجح المغري ؛ فالحمار بغض النظرعن اسمه، و عن شكل ولون البرذعة التي يرتديها ، والنياشين التي تزين صدره ؛ ومنزلة صاحبه في المجتمع أو راكبه ، حين يرى قُمْر الشَّعير بلونه المغري  يرقص أمام أنفه ، يندفع نحوه بكل قواه ، وبكل ما يملك  دون  أي اعتبار للمحيط ، أو لخصوصية الحيز  الذي يتحرك فيه ، أو للقوانين أو اللافتات الناظمة للحركة والمرور ، وهو يجري وراء هدفه حتى  داخل بيت صاحبه أو راكبه ، ولا بأس إذا داس كل من فيه من رضع نائمين ؛ وما فيه من أواني زجاجية ؛ وفخارية هشة ذات قابلية كبيرة للكسر؛ تفوق أثمانُها ثمنَ الحمار وقُمْرِ الشّعير معا بكثير .
        و  الحمار معذور لأن تكوينه المعلوم المعلن لدى العقلاء ، ولدى بني جنسه وأقاربه من البهم ؛ و مصلحته الخاصة ،و الجوع اللعين، وحبه الفطري للشّعير ، وقدرته على  السعي إلى تحصيل ما يحب ، وإباحةالشرع ذلك وحثه  عليه  ؛  كلها  تجمعت في نقطة متحركة غير ثابتة أمام ناظريه ؛ استقطبت  وجوده  ؛ وفيها تركز وتكثف إدراكه كله ؛ وغاب عنه بحكم ماهيته أن فكره الجامد ، قد ازداد تجمدا  وانحصر في هدف أني  ثابت ؛ هو بذل الخطوة الأخيرة التي تمكنه من الفوز بالقٌمْرِ وابتلاعه ؛  دون أن يتنبه  المسكين ؛  إلى أن ما يراه متحركا ؛ هو في حقيقة الأمر ثابت أيضا. 
إنه هو الذي يدفع ربطة الشعير بعيدا عن شفتيه بحركته نحوها، وهو ولا يستطيع أن ينتبه  إلى أن ثبات قُمْرِ الشعير الهارب  هو ما يصنع شقاءه، ويدخله في غيبوبة  وجودية ، ينتج عنها جهد عبثي  نتيجة توهمه أنه يرى هدفا  مشروعا منفضلا عنه ، يستحق  المعاناة في سبيل الوصول إليه ، وأنه يفعل ذلك.
      ومما زاد في  مأساته ومأساة ضحاياه ، ووسع فداحة إفساده ؛ غفلة راكبه  واستغراقه في النوم  ، وقد أسقط من يده الرسن العاقل والموجه ،فشعر حمارنا صابر بن صابر بن يعفور رغم الجوع والإرهاق أنه قد  تحرر تماما.
 ذاك الحمار ومثله خَلَفُه، وذاك صاحبه  ينام فوق ظهره متأرجحا، ونحن الرضع والزجاج ؛ والفخار. 


القول ما قالت حذام

  قا ل ، وروي ، والقول ما قالت حذام مع افتراض صدق النية، وسلامة الطوية ، فإن البصر بطبيعته كثيرا ما يخدع ، فيوقع الإدراك في الخطأ، فينقل ال...