السبت، 30 مارس 2013

الدائرة


الدائرة .

جلست في الساحة العمومية؛ على كرسي من كراسيها الخشبية المهترئة؛ أحادث نفسي وتحادثني، ماذا حدث حتى تكاثرت هذه الوجوه المتعبة الحزينة، التي تعلو أجسادها المترهلة المتهاوية نحو الارض، تعلوها أدخنة داكنة تنبئ عن اكوام الشقاء المتراكم والخوف المرعب من الآتي؟؟؟.
 وانسحب نظري نحو موطئ رجلي، فوقع بصري على حبة سوداء ضائعة ككل ضعيف من خلق الله في هذه الساحة؛ يسحبه وهم في صورة أمل.
كانت هناك نملة ضئيلة  ؛  لا تختلف أحوالها أو مظهرها عن  أحوال رواد الحديقة  ؛ من العجزة  ؛ والمعاقين ؛ والبطالين  ؛ والفقراء اليائسين الذين يتبادلون الأماكن دفعا للسأم   ، كانت تتحرك مثلهم في غير اتجاه ؛ وبدون هدف ؛  على خلاف ما عرف عن  مجتمع النمل في ارض الله الواسعة، وكأنها اصيبت بعدوى أهل البلد  ، كانت تبذل جهدها في الهروب ، أو في طلب غاية نسيت مكانها ؛ أو  نسيت الطريق المؤدية  إليها، فأخذت تتحرك  في شكل دائري متعرج ،جانحة نحو اليسار دائما ، لتعود بعد دورة كاملة مرهقة إلى نفس المكان تقريبا ، ثم تبدأ دورة جديدة  في نفس الاتجاه  ؛ مع انحراف بسيط  باتجاه   الجنوب الغربي لترسم دائرة جديدة لا تبعد عن سابقتها بسنتمترين في أحسن الحالات ؛ وحاولت أن أتفحص  الموقف  : ما الدافع وراء هذا السلوك البائس المأساوي؟. هل فقد النمل حكمته؟ هل أصاب الفساد غريزته؟ وكيف يحدث ذلك والنمل لا يقرأ جرائدنا، ولا يسمع أو يشاهد قنواتنا، ولا يجتمع إلى مسؤولينا وأولي الأمر في بلادنا فتتضرر خلايا دماغه؟ وتفقد اللغات والاتجاهات لديه معانيها ومدلولاتها؟
ومددت بصري  ؛ محاولا -بكل ما عندي من فضول- استكشاف السر  الكامن وراء هذه الجهد العبثي ، وبدا لي أخيرا أنني أدركت بغيتي  ؛ إذ كانت هناك حبة حلوى زجاجية بلون العسل  ؛ سقطت من فم عجوز كان يمتصها ، فالتصق أسفلها بإسفلت الساحة ، والنمل مغرم بحلاوة السكر ، ومجلوب برائحته  ، وحين حاولت الربط بين الدوائر التي ألزمت بها النملة نفسها  وموقع حبة الحلوى  ،  اعتقدت  أن الحبة  في تقدير النملة ؛ ومسحها الرداري  وحساباتها  ،كانت داخل القسم الشمالي  لمسارها الدائري ، وقدرت  ألا  تصلها  ، بسيرها هذا ، قبل مرور وقت طويل   بمقتضى واقع حالها  وحركتها. ؛ فوطنت النفس على الصبر حتى أرى ما ستنتهي إليه هذه الرحلة الدائرية  ، هذا إذا صدق ظني ، و إذا كانت حبة الحلوى هي بغيتها  فعلا ، وهو ما  لم أكن متأكدا منه .
مر وقت ،  بدا لي فيه أن النملة قد وهنت  وخارت قواها ؛ و أصبحت  أكثر بطأ  و أقل اتزانا ، وزاد تعرج خط سيرها الدائري وأصبح مسارها  يشكل خطا منكسرا  ، كأنه مسار  إبرة تخيط طرف ثوب ؛ قماشه محكم النسج قاس ؛ وفي هذه الأثناء مر أحدهم وداس على حبة الحلوي ؛  فالتصقت بحذائه  ، وذهب بها ، وكنت أتوقع أن تتوقف النملة ، ولكنها واصلت سيرها كأن شيئا لم يحدث ، وكأنها كانت تسعى لهدف آخر غير ما توهمت انا ، ولكنني أصررت في داخلي على ضرورة أن يكون هناك علاقة بين حركة النملة وحبة الحلوى  ؛ وستصل غايتها  ؛ وتلتقط ما بقي من أثرالسكر المسحوق الملتصق  بالإسفلت  ، وانتظرت وخاب ظني   إذ مر مسار النملة بعيدا عن المكان الذي كانت به حبة الحلوى، و دون ان تتوقف النملة عن الدوران  قالت بصوت يعز سماعه إلا على من كان سميعا: أيها الفضولي  لاتتعجب   ، مصابي مصابك ،  ومصابنا جميعا  من هول القحط وطغيان الاسفلت الذي سد المسام  وغلف البصائر؛  فالعقول ، والقلوب  ، و التصورات ،  و والنمل والبشر وعلاقاتهم   وما أنقذ نوح انتهى ، والساحة   كلها شيء واحد ، كل أسفلتي  متجانس . 
نبهني قولها إلى أنني أنا أيضا أدور معها دون أن أعي ؛  فمرقت مني تنهيدة :
 دوري ما قدر لك أن تدوري، دوري فقد فقدت معظم الموجودات القدرة على إدراك معنى الوجود؛ والقدرة على تحديد الاتجاهات فتهنا في دوران لا متناه في ساحة الإسفلت؛ عبر حلقات مفرغات؛ بدون هدف؛ أجزاؤها سنوات أعمارنا، لنوهم أنفسنا والأخرين أننا نتحرك، لنكتشف في الأخير أن كلا منا مستقر في مكانه. أما سليمان وجنوده فقد تأكدوا قديما أن حكماء النمل وملوكها، لا تحسن التحريض على الثورة، أو الدفاع عن الأوطان والحقوق، وهي بطبيعة تكوينها لا تحسن إلا الحث على الفرار والاختباء طلبا لسلامة الأبدان.
" ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون "   والميت ومن دخل جحره سيان وبالتالي؛ فسليمان وجنوده هم وحدهم الأحياء المتحركون ؛  منتشين،  مزدهين   هناك في الأعالي  ؛ على بسط الريح الوثيرة، يستمتعون   بما سخر لهم من تياراتها ، ومن إنس وجن وهوام ، وسوائل وثروات الضالين والمغضوب عليهم من  الرقيق والعوام  ، على ظهر الأرض وفي باطنها ، وقد سدوا أذانهم كي لا يسمعوا أنين المداسين إلى أن تدور الدائرة.

الأربعاء، 20 مارس 2013

يحق للسلطاني


 يحق للسلطاني ما لا يحق لغيره
ورد في جريدة البلاد ليوم 18/03/2013  ما يلي
كشف رئيس حركة مجتمع السلم أبو جرة سلطان الذي نزل نهار أمس، ضيفا على منتدى “البلاد”، أنه لم يندهش إطلاقا من الفضائح المدوية التي زلزلت قطاع المحروقات، وأظهرت خيوطها الأولى تورط مسؤولين كبار من طراز شكيب خليل الوزير المسؤول السابق عن القطاع المذكور، وقال عن هذا الأخير “لم أصدم ولو للحظة واحدة بخبر علاقته أو تورطه في هكذا فضائح، لعدة اعتبارات، أهمها استفراده بتسيير هذا القطاع لعدة سنوات، ثم إن الذكاء والكفاءة العالية التي يتمتع بها، لا تسمح لأحد بالاطلاع عما ينوي فعله، خاصة في الملفات والصفقات الكبيرة!!!”
أنا لا أستغرب النهب والسلب الذي تتعرض له الممتلكات العمومية  لأنها أملاك الأنديجان  المستباحة ،  والتي مازالت بيد المستعمر يتصرف فيها بواسطة وكلائه  من أبناء القياد والباشغوات والعملاء الذين نصبهم  في مواقع القرار قبل ان يغادر ، فإذا كنا نحن قد جردنا من ممتلكاتنا  الخاصة  المملوكة لنا بعقود رسمية موثقة في وضح النهار  وتحت نظر العام والخاص، وبتزوير حقائق ساهمت فيه  العدالة ذاتها ؛بشكل يترفع الشيطان نفسه عن فعله لافتضاح أمره وخسته ، ومنحتها لهم بصورة أبشع مما كان يحدث أيام الاستعمار المباشر  ؛ فلا غرابة حينئذ  إذا امتدت أيدهم  تنهب وتلم إليها  مما حولها  من أملاك العامة  المستكينة ، وتحمله  إلى الوطن الأصلي ؛  وطن الأباء والأجداد  الحقيقيين ، هناك وراء البحار والمحيطات. ورغم أن مأساتنا  هذه مؤلمة ، إلا أنها  لا ترقى في إيلامها إلى الدرجة التي بلغها  كلام أبي جرة سلطاني  ؛ حين لم يشكك في صحة ما اتهم به شكيب خليل ، وإنما راح يؤسس له ، معللا ما ذهب إليه بقوله:
 " إن الذكاء والكفاءة العالية التي يتمتع بها، لا تسمح لأحد بالاطلاع عما ينوي فعله " والذي يخرج المرء عن طوره هو الكيفية التي يتمكن بها مثل شكيب خليل وأبو جرة سلطاني  ومَن كان على شاكلتيهما مِنَ الوصول إلى هرم السلطة؟ وكيف يرون غيرهم من البشر ألأنديجان ؟ . وهل يرونهم أو يشعرون بوجودهم أصلا ؟.  والأهم من هذا هو السؤال :  من أي  مادة خلقت أذهانهم ؟. وشكلت ووجوهم ؟. وأين نشأوا وعلى أيدي من تربوا ؟؟؟؟.
  فإذا كان شكيب خليل ذكيا  وكفؤا ،وعلى درجة عالية ؛ ودليل صاحبنا على  كفاءة وذكاء صاحبه – كما يزعم بحكم أنه من أعرف الناس به كما يبدو ؛  وهو رفيقه في الوزارة  ؛ وشريكه في الحكم  ؛ ، وقد عبر عما يعرف  بمنطق سديد لا يشق له غبار-  أنه تمكن من سرقة أموال مؤسسة عمومية  "استراتيجية "أوكل إليه أمر تسييرها  فخان الثقة  وتحول من وزير إلى لص ، فهل يعني هذا وبناء على قاعدة " بأضدادها تعرف الأشياء" أن الخليفة أبا بكر وعمر بن الخطاب  وعلي بن أبي طالب  كانوا أغبياء وأقل كفاءة   لأنهم لم يسرقوا شيئا من بيت مال المسلمين ، أم أنك تعلم عنهم ما لم نعلم وتخفي عنا ؟ ، وهل كان كل الشهداء ، والمجاهدين  والفدائيين المخلصين  الذين كانوا يقطعون بالأموال والأمانات الجزائر من شرقها إلى غربها ، ومن جنوبها إلى شمالها  ؛ دون أن  ينقص منها فلس واحد  ، وزادوا ؛ فقدموا أرواحهم ؛ و كل ما يملكون فداء للجزائر بلا مقابل   سذجا فاشلين  أغبياء؟
وهل كان غيرهم  من -  أمثال قدوتك في الذكاء - من الذين باعوا الدين والوطن و العرض؛ وارتموا بين أحضان المستعمر من القياد والباشغوات  ؛ وأبنائهم  وأحفادهم وعبيدهم   ؛ و الخونة المتعاونين معهم  ، الذين مازالوا يجهدون أنفسهم  في إنهاك  ؛وسحق هذا الوطن الكسيح   هم  الأكفاء والعباقرة والأذكياء ؟.

و هل أصبح السرطان ، ومختلف الأورام الخبيثة ؛ هي  التي تمنح الجسم  ملاحته ؛ و وتشكل أبرز صفات الجمال   والتي   تستحق  التغزل  بها  ؛حسب  أذواق  هذه المخلوقات العجيبة التي تقدم نفسها  كنماذج لسياسي الجزائر المعاصرين  وصفوتها؟؟؟
وهل أصبح مقياس ذكاء و كفاءة  الفرد  والمسؤول – في بلد الأنديجان المضطهدين -  يحدد بمدى قدرته على التمكن من سرقة المؤسسة التي يوكل إليه أمرها  ، و بقدرته على تحويلها إلى ما وراء البحار؟؟.
ومن باب المنطق إذن ؛ فهل كل من أوكل له أمر تسيير مؤسسة عمومية ولم يسرقها وينهبها   ، بل بذل وسعه  في رعايتها وحمايتها ودفع الأذى عنها ، وطورها ورقاها ووسع أصولها ، عد في منطقكم  فاشلا وغير كفء.؟؟؟؟؟
مع العلم أن الشعب قد أصبح  يدرك   ؛ وهو متيقن أن هذا هو المقياس الوحيد  المعتمد في إسناد المهام وإنهائها  لأمثال خليل في بلد "الحكم الراشد "الذي  زعم أن سيقتل مربعا ، فضجت الأنحاء مقهقهة ورددت : اَن  اَبشر بطول سلامة يا مربع

 
يا أبا جرة  ؛ اعلم أن قدوتك في الذكاء والكفاءة وأمثاله  ؛ هم أغبى الأغبياء، وأكثر الناس افتقارا إلى الكفاءة  ؛ وإنما المال السايب تأكله الهمل  أو يعبث به السفهاء ؛ وكل ما في الأمر ،  أن منطقك ومنطق صاحبك  ومحط إعجابك صنوان ولأجل ذلك فزتما برضا السلطان  ؛ مع الفرق بينكما  في طول اليد ومتانة السند.
و السفهاء كانوا دوما أدوات المستعمر  وسلاحه الذي يرمى به نحورنا، لأنه يدرك أنهم  أكثر الناس جرأة على الجريمة  خاصة  إذا أشعرهم بأنه يضمن لهم الأمن والأمان  من جهة؛ ولمعرفته سلفا بوضاعة أصولهم وقلة  حيائهم من جهة أخرى . ولا شيء وراء ذلك مما توهمت يا جلالة السلطاني.

السبت، 16 مارس 2013

نبوءة وواقع


نبوءة وواقع

جاء في كتاب الفرق بين القضاة العادلة والجائرة  والشهود الصادقة والكاذبة لأبي سعيد النقاش أنه  روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال :

 " بَادِرُوا بِالْمَوْتِ قَبْلَ خِصَالٍ سِتٍّ: إِمْرَةِ السُّفَهَاءِ، وَكَثْرَةِ الشُّرَطِ، وَبَيْعِ الْحُكْمِ، وَاسْتِخْفَافٍ بِالدَّمِّ، وَقَطِيعَةٍ لِلرَّحِمِ، وَنَشْوٍ يَتَّخِذُونَ الْقُرْآنَ مَزَامِيرَ يُقَدِّمُونَ الرَّجُلَ يُغَنِّيهِمْ بِالْقُرْآنِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّهُمْ فِقْهًا. "

 
فهل للعاقل بعد هذا النبوءة، وهذا الواقع اليومي المعيش والمشاهد، أن يسأل لماذا يحرق الناس أنفسهم ؟؟؟ أو لِمَ لا يأملون خيرا، أو يحلو لهم عيش ؟؟؟.

وقديما قال الشاعر ما لا يمكن أو يتصور وصوله إلى أذهان الإمرة السفهاء؛ المتربعين على القمة في حالة استشراف وانتشاء

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم.

                               ولا سراة   إذا جهالهم سادوا.

 تُلفى الأُمورُ بِأَهلِ الرُشدِ ما صَلَحَت

                               فَإِن تَـوَلَّوا فَبِالأَشـرارِ تَنقادُ. 

 وهو ما حدث بالفعل؛ وليتهم سادوا وكفى، بل سادوا .... وزادوا، فجعلوا السفاهة والتفاهة دينا ، والوضاعة في القول والفعل سنة مؤكدة وشهادة ثانية لا يصح مع تركها إيمان ؛ والجهر بالنذالة والفسق قاعدة وقانونا ومعيارا للتفاضل والتمايز ؛ فمن حاز منها النصيب الأوفر ؛ كان بالإمارة أولى وأجدر ،و حاز الحق في اعتلاء ظهور الأمة ؛ والتصرف في شؤونها بالتقدير والتدبير ؛ والحل والربط ؛ والحكم والتسيير ، والفصل والتقرير.

ومنهم، وهم، وإليهم المرجع في الأمن والأمان، في كافة الأحوال والظروف والأوقات والأزمان، وليحذر كل متنطع غشيم يدعى بعد، أنه مظلوم، أو مهضوم الحقوق، أو مهان، وليرض صاغرا بما قدر له؛ فليس في الإمكان أحسن مما كان.

أما الحُكْم فما فيه لا وجود له ، وكل مالا وجود له مثبت فيه ،ينفي الموجود ، ويثبت المعدوم ،يدرى الغيب والمجهول ، وينكر الشاخص المعلوم ؛ وإلا فما هو بحكم ، أو هو حكم ضعيف ؛ في جرم خفيف في حادث سخيف ، بين خصوم لِطاف ضِعاف .

وما دام أولئك هم الحكام، وقد أسلموا أمر الفصل في الدماء؛ والأموال؛ والأعراض، لرجال أشداء يدركون من أين تؤكل الكتف، وكيف تحصل المصالح وتصطاد الأغراض، فلا حرج إن واجهوا شكاوى الشاكين بالصد والإعراض، لأن التدخل في شأن القضاء من أخطر المزالق، وأفتك الأمراض.

وعليه فمن ساح له دم ، أو صودر منه عقار ، أو تعاورته سواعد الأشرار ، فليتأسى بنشرة الأخبار في قناة النهار ، وليكن له في أمثاله في البلوى عزاء ؛ فما من بيت إلا وبه من الهم مقدار ، وليصبر ليحشر بعد البعث في الجنة ؛ مع الصابرين والأبرار ، وذلك أخف الأضرار ...... ولك أن تواصل هكذا على نفس المنوال، حتى تنتحر أو يغير ربك وحده الأحوال...

 

القول ما قالت حذام

  قا ل ، وروي ، والقول ما قالت حذام مع افتراض صدق النية، وسلامة الطوية ، فإن البصر بطبيعته كثيرا ما يخدع ، فيوقع الإدراك في الخطأ، فينقل ال...