الأحد، 3 يونيو 2012

وعيد البعيث


وعيد البُعيث

     يحق  لحكام الجزائر، ولرجال النظام القائم فيها ، أن  يرحموا هذا الشعب ويرأفوا به إن تكرموا ، ولهم كامل الحق في أن يحتقروه ويعبثوا به وبمصيره  ، ويشتهزئوا بأماله وطموحاته إن شاؤوا واقتضت  أهواؤهم ومصالحهم ذلك ، وأن يستغلوه كأي شيئ آخر يصلح للاستغلال ، لأن ذلك هو الحق الطبيعي للذكي ؛ الفطن؛ القوي ،  على الغبي الأخرق الأبله الضعيف  ، هذه الصفات المتوفرة  في هؤلاء و أولئك ،  متجسدة في هذا الشعب ، واقعا مشاهدا،  قائما قيام الجوامد والشخوص المدركة بالحواس الخمسة  .
  ففي خروج علي بلحاج وأتباعه  في مسيرته يوم  05/25/ 2012 وهم يهتفون  :"الشعب يريد إسقاط البرلمان" ،  دون أن يكونوا مشاركين في الانتخابات البرلمانية  المطالب بإسقاطها ،ودون أن ينظموا مسيرات  للمطالبة بالمشاركة فيها  قبل إجرائها ، لا هو ؛   ولا حزبه المحل ،  هو نموذج من الجهود العبثية والبلهاء ، التي سبق أن جرت على الجزائريين ويلات تركت ندوبا غائرة ،قد لا تندمل إلا بعد حقب عديدة ، وحالت دون حدوث أي تغيير في الجزائر بعدها ،  وجعلت الشعب يحجم  عن أي تحرك جدي لإحداث تغيير تنعدم فيه الرؤية ،  والأطر، والغايات، وهذه المسيرة  جاءت في نفس الوقت الذي لم  تتجرأ فيه الأحزاب الفاشلة؛  المعنية مباشرة والتي شاركت في انتخابات ، ومرغت أنوفها ؛  وديست كرامتها بالنعال  ،رغم أن مرشحيها  دفعوا الملايير من أجل الفوز ، ورغم الخسران،  ومرارة الخيبة ، و رغم خروجهم بخفي حنين  .
           وقد يقول قائل من حقه فعل ذلك ، ما لم تنزع منه الجنسية الجزائرية ، وهو ما يستحيل حدوثه ، شاء من شاء ، وأبى من أبى -  غير أن المصيبة الأدهى  تتضح حين  يغير "المنتفضون " السائرون شعارهم ،  ليطرحوا هاتفين البديل المفترض لإسقاط البرلمان وهو شهادة الإسلام  : " لا إله إلا الله ،  محمد رسول الله ، عليها نحيا ، وعليها نموت ، وعليها نلقى الله-2- داخلين البرلمان بالسنة والقرآن  "  وكأنهم –بالنسبة للمقصود من الشعار الديني الأول -  وسط شعب وثني بدائي ،  هم وحدهم الموحدون فيه ،  والبقية  شعب من  شعوب غابات الأمازون ؛  مازال أفراده  يعبدون آلهة الغابات الاستوائية ،  أو كأن هذه الحفنة  وحدها من بين الجزائريين قاطبة ؛ هي  وحدها التي قرأت السنة والقرآن ،  وفهمتهما دون غيرها ،  أو كأن هذا هو المشروع السياسي  ؛ والاقتصادي ؛ الاجتماعي ، والثقافي  الذي سيخرج الجزائر  من كوارثها المتتالية ؛ ومن تخلفها،  لتلحق بالأمم التي أخذت بالمبدأين المرفوعين  أعلاه  ،[لا إله إلا الله ، والسنة والقرآن ] سر التقدم ، والتحضر،  قبلها دون أن تنتبه إلى ذلك؛  لا هي ،  ولا نحن: كالأمة  الألمانية ،والإنجليزية ، والأمريكية ، والسويدية ، والتي تحتمى؛ بها وبشعوبها  المؤمنةِ  ؛ الجماعاتُ الإسلاميةُ،  كلما أحست بالقهر في وطن من أوطانها  "الكافرة"!!  التي تدخل فيها البرلمانات بالانتخاب ، وليس بالسنة والقرآن ، وأخيرا  يبدو وكأن غاية الغايات لدى هؤلاء؛  هي دخول البرلمان -الذي يفترض أن يكون قد سقط : أي دخول برلمان غير موجود ، وهو الأمر الواقع فعلا دون حاجة إلى مسيرة ، بشهادة  تقرير لجنة مراقبة الانتخابات الحكومية ذاتها - بأي وسيلة كانت، ولا عبرة بعد ذلك لا بالإنسان، ولا بقيمة الإنسان.  
           وعوض أن يستهجن أتباعه ومناصروه  مثل هذه الحركات المسرحية؛  المبتذلة؛  الساذجة ،أو على الأقل يطالبونه  و لفيفه   ببرنامج سياسي؛  واقعي ؛ وعقلاني ؛ محدد ؛ توضح فيه طبيعة الدولة البديلة وهويتها ، ومرجعياتها ، وتوجهاتهاالمستقبلية ، ومنزلة الإنسان فيها ، وطبيعة علاقتها به ، فردا وجماعة ، ومؤسسات ، والغايات التي تنشدها، والمراحل ،والإجرءات العملية، وأدوات التنفيذ المختلفة، وسبل التصدي للعوائق الجمة والخطيرة المعاكسة، المحلية والدولية ، السياسية ، والاقتصادية  و.... ثم تقديم  هذا البرنامج وعرضه على  الراي العام ، الوطني والإقليمي على الأقل ليبدي  رأيه فيه، لأن المجتمع هو الغاية ، وهو الوسيلة ، وهو صاحب المصلحة أو المتضرر، وهو صاحب الرأي الأول والأخير .
        وعوضا عن ذلك كله ،  نجد العشرات ؛  بل المئات ؛ حتى لا نقول الألاف ،  ومن بينهم أدعياء الثقافة ،  وحملة الشهادات الجامعية ، كما يبدو من تدخلاتهم في "قناة المغاربية "، يمجدون هذا الشخص ومن تبعه ،  ويمجدون ما يقول ، وما يفعل بلا تحفظ ،وكأن العملية لعب صبيان في حي مهمل ؛ مما يكشف مستوى الوعي المتوفر في الجزائر حاليا ، سواء لدى الطبقة المثقفة المسبحة بحمد النظام الذي جمد المجتمع في مرحلة ما قبل الدولة  ، أو "الجماعة" المنادية بالتغيير حتى وإن كان باتجاه  النـــــــــــــــــكوص و الإنقراض والفناء.
          والأسوأ من ذلك ؛ والأمر والأدهى ؛ هو ما يقابله ويناظره  من عامة الشعب ، ففي حصة  " صريح جدا" التي تبثها قناة النهار حول الرشوة ،يتفق الجميع على أن الرشوة والفساد هما عصب الحياة السياسية ؛ والاقتصادية ؛ والاجتماعية  ... في الجزائر ، و على جميع المستويات ، وفي جميع الأجهزة ؛  وفي مختلف القطاعات ، من أعلى هرم السلطة ، إلى أدنى مسئول في الدولة ، والجميع يقر بأنه مرغم  على دفع الرشوة ،  ومجبر على التعامل بها ،وهم محقون في ذلك بحكم الواقع المعيش، وأن الشعب بأسره   مخير بين شرين أدناهما مدمر ،  تفرضهما سلطة تتفرج على ضحاياها من وراء ستار، تنفذ إرادتها  أقنعة خاوية فارغة،  يملأ تجويفاتها هواء نتن موبوء:
- إما أن  يمتنع هذا الشعب عن التعامل بالرشوة -الركن المقدس في دين حكامنا- ويمتثل  لأوامر الشرع بأوامره ونواهيه ، ويلتزم بالفضائل الكبرى التي تحكم شعوب العالم   خشية أن يرتكب  المآثم المهلكة  ، ويصبح ملعونا ،بحكم النصوص الشرعية الصريحة التي لا تقبل التأويل .فينجو من النار ويدخل الجنة ، والقليل جدا من بين المستجوبين من نحا هذا النحو. ,ويرضى في مقابل ذلك بأن يجبر على التخلى عن حقوقه وممتلكاته المشروعة لغير مستحقيها بل لأعدائه .
- وإما أن  يدعو السلطات المسئولة في البلاد ،  ويتوسل إليها -وهو رأي غالبية المستجوبين-  كي تحارب الفساد والمفسدين ، وتردع المرتشين والراشين ، وكأن  هذا الشعب نزل فجأة من المريخ ، ولا يعرف أن السلطات  المـــــسئولة  ( الأقنعة)  ذاتها ؛ مأمورة بدورها  بألا تسمح لأي شخص مهما كان،  أن يتولى أي منصب ، في أي مستوى كان ، ما لم  يكن هو نفسه راش ومرتش ، تتوفر فيه صفة الفساد والإفساد، وإلحاق الأذى بالبلاد وما ومن عليها و فيها ، مع توفره على  الكفاءة في إتيان ذلك بإتقان ومهارة، وتطبيقه باقتدار ، مع تحصينه من كل متابعة ، وحمايته والدفاع عنه ، وردع كل من استنكر فساده وإفساده  أو تأذى منه.
وشعب  لا يخرج تفكيره عن هذين النموذجين ،ويطالب بالتغيير ،  يحق لحكامه أن يسعدوا به ، وأن يهنئوا ويرتاحوا ،  وأن يرددوا مع الشاعر:
 زعم البعيث أن سيقتل مربعا            فابشر بطول سلامة يا مربع.


  .الدائرة جلست في الساحة العمومية؛ على كرسي من كراسيها الخشبية المهترئة؛ أحادث نفسي وتحادثني، ماذا حدث حتى تكاثرت هذه الوجوه المتعبة الحزين...