الجمعة، 24 يناير 2014

غروب في ضوء الشمس


غروب في ضوء الشمس

 قال القاضي وقد شمر عن زنديه ؛ وهيأ القلم :
-         أيتها الحاجَّة ماذا تقولين في شكوى زوجك ، وطلبه ؛ فكما سمعت لم يترك عيبا ولا نقيصة إلا ألصقها بك ، فهو كما يزعم عاش معك جحيما  لا يطاق، ولم يعد قادرا على مواصلة المشوار ، وحسب أقواله فإن عدم الاستجابة لطلبه  بتطليقك منه ظلم ترفضه مبادئ العدالة.
قالت العجوز وهي ترنو نحو زوجها وحبها الوحيد:
-          سيدي القاضي زوجي هذا شيخ فاضل، أتعبه الدهر بكره وقسوته، وهاجمه العجز من كل جهة...
 نهرها القاضي: قولي ردك بشأن طلبه الحكم بتطليقك:
سيدي الرئيس:
-         زوجي هذا كان دوما فاضلا، شهما وكريما وقطعنا  معا ستين سنة ؛  لكل سنة منها ألف وجه ووجه ، فيها من الليالي المرة الكثير ، وفيها مثلها من الأيام الحلوة، ولعله- ولطول المسيرة- قد مل عشرتي، وقد أكون أهملته في غمرة الاهتمام بالأبناء  فاعترى مشاعرنا الصدأ ، وقد يكون محقا لأني  لم أعد قادرة على إرضائه فالزمن يذيب الاجساد ويذهب برونقها ، ويخرب العقول  وينهك الأرواح
يصرخ القاضي بضيق واضح:
-         (يا الحاجَّة) قولي ردك بشأن طلبه الحكم بتطليقك:
وكأنها لم تسمع صراخ القاضي:
ولكنني لا أنكر أنه كان خير زوج  يمكن أن ترزق به امرأة ،وكان نعم الرفيق حتى الأشهر القليلة  الأخيرة حيث تغير مزاجه ، وأصبح عصبيا، ينزعج بسرعة وبغير سبب :
حاول الشيخ ان يتدخل فنهره القاضي. اسكت، أنت.
قالت :
-         العجوز سيدي القاضي ليس من حقك أن تنهره بهذا الشكل ،لأنه رجل فاضل؛ يستحق أن يعامل بلطف واحترام.
سيدي القاضي.
 لقد أحببته  ، كنت دوما ، ولا أزال ، ولا أحب أن ازعجه ؛ أو أرد له طلبا، ولا أحب أن يزعجه أحد مهما كان ،  فقد جعل حياتي  كلها سعادة ومتعة رغم  صعوبة الحياة ومرارة الصراع ، ويكفيه أنه منحني الاحساس بالاطمئنان المطلق على مستقبلي حتى آخر لحظة ، وحيث أنه  الآن يرغب في تطليقي أرجو سيدي القاضي أن تلبي رغبته كما كان الأمر دائما.
 
 
          في هذه اللحظة تقدم الشيخ من رفيقة دربه ، أمسك يدها التي انقادت له في رقة الحرير ،احتضنها بين كفيه برقة ، قبلها وهي تتابع حركاته بهدوء وحنان أغرق قاعة المحكمة ، ثم قبص على معصمها الأيسر بيسراه ،و مرر ذراعه فوق كتفها الأيمن برفق واستدارا وقد احتضنها ، وخرجا متجاهلين القاضي، وكاتبه ؛وشرطة الحراسة ، تحت تصفيق الجمهور الذي وقف احتراما ، وغابا هاربين من عثرة حتمتها ظروف طارئة، عبر باب المحكمة و ذابا  في ضوء شمس الأصيل الذي كان يغرق المدخل الغربي.
 
                                                                 الضيف حمراوي 24/01/2014
 
 
أبشع الوحوش و أخطرها وأقذرها على وجه الأرض هو الإنسان إذا تجرد من الأخلاق


 

  .الدائرة جلست في الساحة العمومية؛ على كرسي من كراسيها الخشبية المهترئة؛ أحادث نفسي وتحادثني، ماذا حدث حتى تكاثرت هذه الوجوه المتعبة الحزين...