السبت، 10 ديسمبر 2011

نحن والعالم -2


المجتمعات العربية تصنع عوامل تخلفها -2-

ما تعيشه المجتمعات العربية من تخلف ؛وفساد ؛وفوضى وجرائم ،ومجازر جماعية مقننة وغير مقننة ،  أمر طبيعي لأنه أنتاج طبيعي لنمط التفكير الفردي، والاجتماعي  فيها ، ويتوافق مع القيم الأخلاقية السائدة لديها ،و المستقاة من المثل والنماذج القيادية المتصلة عبر تاريخها القديم ، والمستمرة على نفس النماذج والأنماط في أنظمة الحكم الحالية.
          فالأنظمة العربية الحاكمة بقياداتها وأجهزتها ، هي جماعات جاهلة ، فاسدة، أنانية تفتقر لأدنى إحساس بالمسؤولية ، تعيش بالدسائس والمؤامرات ولها . تحصلت على الحكم و وصلت إليه، بالإغارة والغزو، وبجرأتها على ارتكاب الجرائم البشعة التي يحجم عن ارتكابها الإنسان العادي السوي، وسخرتها لتحقيق أهداف صغيرة قذرة: مال، أكل، لباس، ونساء(حريم وجنس). عقارات و سيارات ، ظلم وتعسف. ولو كان ذلك على حساب الأمة بماضيها وحاضرها ومستقبلها، وثقافتها ، وقيمها ، وثرواتها. و شخوص هذه الأنظمة أدوات بشرية ،تجد فيهم الدول الناضجة في الغرب ، وقياداتها المثقفة الواعية الملتزمة بمصالح شعوبها، وسائل مناسبة وملائمة توظفها للاستيلاء على مخزونات الثروات الطبيعية المتنوعة الممتدة من أسيا حتى إفريقيا. وللمحافظة على مصالحها المباشرة الأخرى ، ولتوفر ساحة لصراعاتها الاقتصادية والأيديولوجية.
         لا يوجد رئيس عربي واحد خريج جامعة ،أو صاحب فكر مؤسس،  له أتباع ،استطاع أن يقفز بمجتمعه قفزة لفتت الانتباه ،أو شدت النظر، ولكنهم جميعا وعبر مختلف حقب التاريخ  اشتهروا بمجالسهم في الغرب والشرق  وكانت لهم تكايا وزوايا ، ترعاهم وتدعو لهم  ،فصنعوا مآسي ، وكوارث أصبحنا نحتفل بهأ ، 5جويلية 1830، 7جوان1967 ،ضياع فلسطين 1948،.... ولو كانت لنا ذاكرة لاحتفلنا بنكساتنا الأخرى ، ضياع الأندلس ، وضياع أوطاننا التي نعيش عليها ، والتي مازالت تحكمها عائلات تمتهن الجريمة ؛  وبيع الأوطان من ورثة البشغاوات  حملة أوسمة صليب الاستحقاق
Les Grand’Croix de la Légion d’honneur ، والقياد وأعوان- فرنسا ، والإنجليز والأمريكان،  وغيرها من الدول المتقدمة - وخدمهم : من أبناء العبيد ، والخماسة ؛ وما يسمى ب(الأقليات المؤثرة ) المتمثلة في العصابات  ، والكتائب ، والبلطجية ،  والشبيحة.....ومن يحيطون بهم من حملة الشهادات المزيفة ، وهؤلاء  أسوأ من ساداتهم و أنذل، وأضعف لعلمهم بزيفهم وضعفهم .ومشاريعهم ، وبرامجهم جميعها ، ونتائجها معروفة مسبقا ، ترقية المفسد وتقريبه وحمايته، ونشر الفساد ،مصدر الرزق والسلطة لأنذل وأحط  أنواع العباد.
      والإنسان العربي البسيط  المقموع المرعوب، في الأغلب ، يتصف بمواصفات تمييزه عن غيره من بسطاء العوالم الأخرى ، فهو أكثر الشعوب ميلا للقبول بالاستعباد ،  والخنوع ،انتهازي ، كسول متواكل ، أناني ،كثير الشكوى ،منافق ،  أفعاله تتناقض مع كل خطاباته ، وطقوسه اليومية،  المثالية المعلنة ، وبين أفعاله ، وقناعاته الدينية والأخلاقية المسطحة ، انفصام تام ، يعلق دائما فشله على غيره ، إما على السلطة ، أو على عدو وهمي يصطنعه ، أو عدو حقيقي شارك هو ذاته  في استدعائه ، أو ساهم في خلق الظروف والمناخ المناسب لوجوده ، يؤلمه النقد الموضوعي والصراحة الجارحة،ويدفعانه إلى الانتقام بطرق قذرة ، عاطفية ، مثاله و قدوته  قيادات وأمراء و وملوك وسلاطين  ،  وزعماء لأنظمة عربية فاشلة تتوارث الفشل ، أنتجها هو ثم اتخذها مثلا يحتذيه.
وهذا الوضع لن يتغير بدون ثورة ؛ شرط ألا تتبعها حالة نكوص إلى  الوراء ،  كما كان الأمر دائما مع الثورات السابقة  ، وكما يحدث مع  ثورات الربيع العربي الآن  التي تفر  من خلالها الشعوب الواهمة ؛ من صقيع الفساد ،إلى صقيع الكساد ، ثورة ينبغي أن تندفع نحو الأمام ؛  لتقتلع هذه الأوهام :الأورام السرطانية ؛ المعششة في الأذهان العتيقة  ، وفي المجتمعات المستكينة المنكوبة بهوانها . وتؤسس لعقلية جديدة  قوامها  النظافة والطهر . ومعيار الحكم فيها هو الجواب على ماذا، وكم، وكيف،  أعطيت،وماذا أبدعت  ؟ . لا ماذا ، وكم ، أو كيف أخذت ، وعمن رويت ؟ " فبالأعمال وحدها تعرف أخلاق الإنسان" كما قال الفيلسوف جان بول سارتر ،  وإلا  فسنستمر في أنتاج عوامل التخلف وصنع المآسي ، لنا ولغيرنا من شعوب العالم ؛ شاء من شاء وكره من كره.


الضيف حمراوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  .الدائرة جلست في الساحة العمومية؛ على كرسي من كراسيها الخشبية المهترئة؛ أحادث نفسي وتحادثني، ماذا حدث حتى تكاثرت هذه الوجوه المتعبة الحزين...