نعم أنا غبي ومغفل، وقد ورثت هذا الغباء والغفلة من
أجدادي ألذين أحبوا وطنهم ، ومنحوه كل ما يملكون ؛ دون أن يأخذوا منه سوى الألم.
فأنا أحب وطني ، لأنه وطني فقط ، أراه حديقة من حقها المطلق علي أن أرعاها و أتملى جمالها وهو يزداد توهجا ، ووردة أتعهدها ليطغى شذاها على كل شذا، وطني ليس مكانا للعيش ليس لي بديلا عنه ، بل لا أرضى بديلا عنه ولا عوضا لأنه ذاتي وفي تجريدي من ذاتي وفاتي .
-
أعرف تاريخ وطني كما أعرفه، لا
كما يقدمه لي صناع الدجل والتزوير، والأفاعي النافثة للسموم، مصاصة الدماء، التي لا
ترى العيش عيشا إلا وسط الجثث والأشلاء. واستعباد
الأيتام والإماء ، وهيلولات والكذب والافتراء .
-
أرى السارق المرتشي ، والناهب المسغوب
، والمنافق الإمعة المرافق ، والمدعي الفاسق ، أحط من الخساسة ، وأنجس من النجاسة ،
حتى وإن ارتدى طيالس القداسة ، وتزي بأزياء الإمارة أو الولاية ، وزين صدره بنياشين السلطنة
و الرياسة ، وحسنت مناقبه الأقلام والمحابر و تشدق بأبلغ الخطب من أعلى المنابر.
-
نعم أقر باني كأسلافي غبي. نعم أقر بأنني مغفل.
وأقر أن غير المغفل والحاذق في قواميس السياسة ،
وتجار النخاسة، أحسن مني ، وأذكى وأمهر ، يأخذ من الوطن ببراعة ولا يعطي سوى الوقاحة ، والوطن له حديقة مستباحة،
وعاهرة ملحاحة، يجلس على صدرها يرضعها ،.... ، يدوسها ويدوس جديها وأمها وأباها .
وعليها أن ترضى ، وتترجاه بألا يهجرها ، و من حقه
أن يتمنع ويتدلل، ليزيد من لوعتها وأساها.
- أقر أن غير المغفل، والحاذق أحسن
مني أذكى وأمهر.
وطني يأخذ
مني ويعطيه ، فأزداد لترابه ومائه وسمائه عشقا،
يرهقني ويريحه ، يفقرني ويغنيه، يكرهني ويدنيه ،يلفظني
نحو البحر ويأويه . فأزداد لترابه ومائه وسمائه عشقا .
-
وأقر أن غير المغفل، والحاذق أحسن مني ، أذكى وأمهر.
كانت خيانته زمن الاستعمار أفصح من الشمس في رابعة النهار ،كان يدير طواحين الدمار . واليوم ألقمته
ثديك، وفرشت له حضنك ، فغدا الملك وغدوت
المملوك ، وغدونا اليتامى وملك اليمين، يخطب فينا فتلقى عليه باقات الياسمين.
-
أقر و لا حد لإقراراتي؛ إلا أني يا وطني لن آخذ منك سوى
نسمة تكفيني ،ودوما سأعطيك كل جهدي، أبذله نشوان
لأنه منك كل يوم يدنيني ، وسأكره إلى الأبد كل خائن آذاك وبدلك بسواك ، ومازال وسيبقى...
الضيف حمراوي 28/05/09
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق