الاثنين، 2 يناير 2012

ماذا يعني أن تقرأ؟

ماذا يعني أن تقرأ؟
 :"Emile Faguet " يقول إميل فاجي
التعليم نوعان : الأول هو ذلك الذي نتلقاه في الثانوية، والثاني هو ذلك الذي يمنحه المرء
. لنفسه ،الأول ضروري ، ولكن الثاني وحده هو الذي يدوم
أن تقرأ هو تكتسب سلاحا فعالا لا مثيل له ، تدافع به عن نفسك ضد كل المخاطر كيفما كانت ، مادية أو معنوية ، حضارية وعقائدية ، و كيفما جاءت بغتة ، أم متربصة ، متسكعة متباطئة ، فرادى أم متتابعة متلاحمة ، طبيعة كالكوارث والمجاعات والآفات المهلكة ، أو بفعل الخصوم والحساد والطامعين والأعداء المتربصين ،من الأهل والأقارب وذوي الأرحام وأبناء الجنس والعقيدة ،المشاركين في الماضي والمصير ، أم من الأغراب المخالفين في الدم والمعتقد والمسالك والغايات.
أن تقرأ يعني أن تكون أنت ، تستعصي عن الذوبان في غيرك ، وسط تنوع غير متناه، تتفاعل بثقة ، ومن خلاله ، مع عقول كبيرة مختلفة المشارب،متعددة الرؤى ،شغلت عصورا ممتدة عبر الأمكنة والأزمنة ، وغطت امتداد الحضارات الإنسانية ، وأعطت للكون معاني ومفاهيم روحية وعقلية ، تستحيل الحياة بدونهامثل : الحق ، والحرية ،والجمال، والحب ، والعدل.وهي قيم ومفاهيم لا تورث كما أنهاعرضة للتشويه والتحريف ، ووعاؤها الحامي لها هي مؤلفات العباد ، والحكماء،والمفكرين، والعظماء المتدبرين من بناة التاريخ وصناع الحضارات المتمايزة عبر القرون ،المباهية بهوياتها المتفردة والتي يستحيل الدخول إلى صروحها إلا بقراءة الكتب ،والقراءة اكتشاف و إبداع فكل كتاب من كتب هؤلاء قرأتَه واستوعبْتَ ما فيه ،كتاب ألفته.
أن تقرأ ، يعني أن تركب سفنا تسافر بك عبر الزمن ، وخلال العصور ، فتعود إلى بدايات التاريخ ، و ترافق تشكل الكون ، ورحلة القارات ، وبداية الحياة في أعماق البحار و المحيطات ، وبراكين النار، وارتطام الكويكبات ، وتناطح الشهب ، وتهاوي المذنبات ، ،تقصف وجه الأرض فتهلك مخلوقات ،كالدينصورات ، وتظهر أخرى متنوعة :طيورا ، وزواحف ، وذوات القوائم ،وسابحات...
أن تقرأ يعنى أن ترحل في المكان ، ترافق المستكشفين إلى أدغال أوروبا ، و المتسلقين إلى قمم الهملاياوالتبت، وأغوار الهادي ، والهندي والأطلسي ، وتجوب القطبين ،و أن تنفذ من الجاذبية، وتخترق الغلاف الجوي اللازوردي ، وتقتحم الأشعة المهلكة ، متحديا رهبة الروح ،وعجزك الجسدي ، ترصد النجوم والمجرات ، وتطوف بالكواكب وهي تضرب في رعاية خالقهاعبر المدارات ، يؤدي فناء بعضها إلى ميلاد أخرى ، تتخذا لها في فضاء الله الفسيح سنناومسارات.
أن تقرأ يعني أنك قررت الخروج من المملكة الحيوانية الضيقة، الفقيرة، القاحلة التي تسيج تخومها الحاجات البيولوجية التي يتساوى فيها البشر مع البكتريا ، والدود ، والبهائم : أكل وطرح، ومسكن ، وتكاثر ثم العودة إلى تراب ، والولوج إلى فضاء المملكةالإنسانية الواسع الذي لا تحده حدود معلومة ، ولا نهايات مرسومة ، فتستحق مباركة الله لسعيك قولا كان أو عملا ، وتستحق أن تضع لك الملائكة أجنحتها رضا بما تصنع ،فترتفع بما حملت من علم على مالك المال المهدد في كل حين بالزوال. فالعلم يحمي الإنسان والإنسان يحمي المال
إن الذي يكتفي بما يتلقاه من الثانوية أو الجامعة ، أو بما يفرضه عليه المنهاج والبرنامج من علم ، يكون خطره على نفسه ؛ وعلى المجتمع أفتك؛ وأكثر ضررا؛ وتدميرا لنفسه؛ ومجتمعه؛ من الأمي الذي يعيش على الفترة ، وتعرف هذه الفئة بأشباه المثقفين من الناس المتعلمين ، و أصحاب الاختصاص في العلوم الدقيقة أو التطبيقية بغض النظر عن مجالها، وفي العلوم الإنسانية المتنوعة، وخطر هذه الفئة يكمن في غرورها ، ونظرها إلى الشهادات العلمية التي تحملها كأدلة؛ تبرر لها ما تفعل؛ أو تقول ، رغم كون هذه الشهادات ما هي في الحقيقة إلا أدلة على أن حامليها قد حازوا مفاتيح القراءةوالتعلم ،لا العلم في ذاته ، لأن العلم يغترف منه ولا يحاط به ، غافلين أو متغافلين عن حقيقة أن المفاتيح التي لا تستعمل ستصدأ حتما حين تهمل و لا تستغل يوميا ،لفتح أبواب المعرفة الإنسانية المغلقة ،المتنوعة التخصصات ، واللغات ، والثقافات ؛ وتعجزعن أداء وظائفها ،فتصبح خردة لا خير فيها قد تصيب من لامسته بداء التيتانوس المميت .
شعب لا يقرأ شعب لا دين له ،ولا هوية ، لا ماضي له ولا مستقبلا ، فقير مهما حوت أوطانه من ثروات ، ومعادن وخيرات ، شعب عاجز؛ هين ؛ ضعيف مهما اشترى من أسلحة وعتاد وذخائر , و بنى من قلاع وأقام من تحصينات.
شعب لا يقرأ في حياته اليومية العادية ، خارج المؤسسات التعليمية المتخصصة ،ويقنع متعلموه بما حصلوه بين جدران أقسامها وقاعاتها، نتيجة لامتثالهم لمقررات وشروط نيل الشهادة ، لايتجاوزونه ، شعب مقلد ، مجتر، مريض: أرواحا وأجسادا ، لا دولة له مهما أقام من حدود،و صبغ من أعلام ، وحبر من معاهدات ، وسن من قوانين وتشريعات، ولا عقيدة ، ولا هوية له ، مهما أقام من معابد ، و أعلى من مساجد وكنائس وبيع وزوايا ومزارات، ومعاهد ومستشفيات ، ومهما اتسعت رقعة أراضيه فهي أعجز من أن تغنيه ، و أضيق من أن تحتويه أو تحميه.
هذه بعض من الحقائق الت يقررها الواقع في القرون الأربعة الأخيرة ، حيث اغتنت وعزت أمم فقيرة قي أوطان قاحلة جعلت العلم ،غايتها والقراءة واجبها و هوايتها، لا تحيد عنها إلا إليها، فاتحدت تشعوبها وسادها الأمن والأمان، وغادرها الجهل و الجهال ،وانبسطت العدالة والحرية والمساواة في ربوعها فراشا مخمليا مزركشا للجميع ، واطلعت على الكثير من أسرار الكون ، طبيعة وبشر ا وحضارات ، فطوعت الكل ودجنته لمصالحها، ونوعت صناعاتها ، ,وأبدعت في مخترعاتها ، بينما أضرب العرب والمسلمون عن القراءة دهورا إضراب أبي الهول عن الكلام ، رغم أنهم أول من أمر بها حتى غدا معدل ما يقرأه العربي خلال السنة لا يتجاوز ربع صفحة ، في حين يتجاوز ما يقرأه اليهودي في السنة خمسة وأربعين كتابا ،وأدنى ما يقرأه الفرد الأوروبي حسب بعض الإحصائيات أحد عشر كتابا ، أما من حيث صناعة الكتاب ورواجه فإن ما تطبعه أسبانيا وحدها؛ في السنة الواحدة ؛ ما أنتجه وطبعه العرب من كتب منذ العصر العباسي إلى الآن .
إن إجمالي ما تنتجه الدول العربية من الكتب يساوي 1.1 % من الإنتاج العالمي، بينما يشكل العرب وحدهم دون عد المسلمين معهم من حيث العدد 5 %سكان العالم تقريبا، فلا تستغربوا من مقدار ما بلغناه – نحن العرب - من تخلف ودروشة، وفوضى، وأمراض سياسية،واجتماعية، وعقائدية، ,وأخلاقية ، ونفسية ، واستهتار بقيمنا وقيم غيرنا .فهنا وأصبحنا نبع الإرهاب، و مصدر الهجرة غير الشرعية، ومثالا في فساد الحكم، وتخلف الرعية وتوحشها، نعيش بالغش وعلى الغش وللغش، نَسرق أو نُسرَق ، نَكذب أو يُكذَب علينا ، نضلل أو نُضَلَل ، نهين أو نهان ، نرى ولاة أمرنا طغاة.... ، ويرانا ولاة أمرنا ......و جرذانا وحشرات ، وكلنا مجمعون - حكاما ومحكومين- ، على رأي واحد هو مهاجمة كل من ينبهنا أو يواجهنا بحقيقتنا البشعة والفتك به ، وفينا من العناد والخوار مايفوق ألف مرة عناد الثيران وخوارها.
أمة لا تقرأ؛ هي آخر الأمم مهما كان أصلها وفصلها، ووهي أضعف الأمم مهاما أبدت من عنتريات، وهي أكذب الأمم على نفسها وعلى غيرها ، لأنها تتحدث وتحدث عن أشياء لا تعلمها ،أو في أحسن الأحوال سمعت بها ولم تتحقق من وجودها ناهيك عن صحتها .
فهل يجد العاقل بعد هذا مبررا لشعوره بالحاجة إلى من يحثه على القراءة !!؟؟

الضيف حمراوي 14/03/2011




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

القول ما قالت حذام

  قا ل ، وروي ، والقول ما قالت حذام مع افتراض صدق النية، وسلامة الطوية ، فإن البصر بطبيعته كثيرا ما يخدع ، فيوقع الإدراك في الخطأ، فينقل ال...