الهدية
وانطلق موكب العروس، الفقيرة بلا حدود، تحت زغاريد النسوة المعرسات الحادة المتحدية،
تنتهك حرمة أذان الجارات المتطلعات من الزوايا والشقوق،
وتنهدات الجدات، و الأمهات النافثات في العقد، وفي صدورهن.
آزرتها طلقات البارود ؛ تزرع الرعب
في قلوب العذارى من سرعة هذا الزمن القاسي ،وتدمي بأصابعها الجارحة كلوم العوانس ؛ الواهنات ؛ الجالسات خلف الأبواب الموصدة، في
هذه البيوت الفقيرة؛ المتهالكة الجدران ، المدعومة
بظهور شبانها المقوسة ، الملفوفة
في أسمال تربة، مغبرة ، متسخة ،يضحكون في بلاهة ، ساخرين من كل شيء ، يمتعون النظر بسعف الدوم
الحاد ، وأكف التين الشوكي المستعدة ؛ والمتأهبة لصفع هذه الخدود المكدودة ؛ البلهاء ،بعيونها المتلصصة المترصدة.
علا صوت من هناك مصدره " الزقاي" تصحبه قهقات هأ هأ هأ :
- يا البكري؛أرأيتم
هذه البرذعة التي يحملونها فرحين،هأ – هأ- هأ ؟.
تجاوبت معها قهقهات ساخرة؛ انطلقت
من أسس الجدران المتقابلة؛ سرعان ما انكمشت، حين استدار نحوهم فارس من الموكب،
وقبل أن يتحدث الفارس، أخرج حصانُه لسانَه ؛ ثم قال -على عادة الحيوان في فن القول- بلغة ركيكة من وراء لجامه، وكأنه
يمضغ كرة من اللبان:
- إن كنتم تسخرون منها فهي قد غادرت؛
على كل حال، و إن كنتم تسخرون منا ؛ فإنكم
لن تدركوا مقدار غبائكم إلا حين تعرفون البغل الذي نأخذها إليه... !. ثم استدار
منصرفا ؛ وقد أغنى صاحبه عناء الحديث.
وبعد سنوات عديدة عادت العروس ،
سيدة منعمة مع ابنها ؛ في سيارة فخمة رباعية الدفع،ملأى بالمئونة و الهدايا
، لجبر نفوس العوانس ، فخرج الناس مستطلعين يتساءلون؛ لزيارة من جاءت هذه السيدة الثرية؟ وكلهم يتمنى لو تجعل بيته مقصدها. وكان من بين
الهدايا التي تلقاها"الزقاي" برذعة جديدة.... وارتفعت قهقهات هأ - هأ –هأ . ..
الضيف حمراوي 14/5/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق