هل الدين هو المصدر الوحيد للأخلاق؟.
طرح الأستاذ عبد
الله حسن هذا السؤال على حسابه في الفاسبوك ، مستطلعا أراء الفاسبوكيين.
والجواب عندي ، لا ؛ الدين
ليس بالمصدر الوحيد للأخلاق ، بل قد يكون على نقيض ذلك ، شرط أن نعترف أن الدين نفسه موجود لدي معظم شعوب العالم
حتى تلك التي نصف نحن دياناتها بأنها وثنية ؛ وهو مفرز فكري وعملي ، وروحي إنساني ؛ يعكس مفهوم الإنسان عن الإله والألوهية تصديقا وتصورا ، وعن المظاهر المختلفة
للكون وتفاعلاتها، وعن العلاقة بين الإله ومظاهر الكون المتفاعلة والغاية من ذلك ،
و يعكس تفسير المجتمعات لهذه المظاهر وفي مقدمتها المرض والموت والحياة "حي بن
يقظان لابن طفيل" بطرق مختلفة متمايزة حسب الموقع والزمان ، لكن الميزة الغالبة
فيها هي أنها مندمجة : فيها الغيبي ، والخرافي ، والأسطوري ، والتخميني وفيها العملي
الواقعي التنظيمي ، كالعلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة ، وطرق وأساليب وشروط الزراعة
،واستئناس وتدجين الحيوانات والطير ، وفيها المعرفي والحسي والنفسي ، و العادات والتقاليد
والطقوس بحيث يعطي كل ذلك ثقافة مركبة مستخلصة من حياة الناس الدائمة والمستمرة ، ومن
الصراع بين البشر حول السيطرة على المكان وثرواته ، وبين البشر وظواهر الطبيعة ومصار
الخير (السعادة) والشر (الشقاء) فيها ، هذا النسيج المتداخل تختلف أهمية مكوناته ودرجة
ترتيبها من شعب لآخر ، فيصبغ المجتمع على بعض خيوط النسيج ,وألوانه أو بعض مساحاته
سواء أكانت روحية ؛ أو مادية ؛ صفة القداسة ، ويشحنها بمعان خاصة ؛ لها عنده دلالات
مؤثرة ، لأسباب تستدعيها متطلبات الحياة في فترة ما، ويقنع أفراده -ويرغمهم عند الحاجة- عن طريق المؤسسات
الدينية ، وأدوات السلطة المختلفة بالتصديق على أنها أوامر الله؛ الرب المسيطر على الكون لهم، وتوجيهاته وترتيباته ورغباته ، أوهي أوامر وتوجيهات أشخاص لهم صفة القداسة اختارهم هو ؛ وانتدبهم ليتحدثوا بلسانه ، أو ليبلغوا عنه،
ويقرن الخضوع لها بالجزاء الحسن ، والخروج عليها بالعقاب الرادع ، كمكة وطقوسها ، وبيت المقدس والمسجد الأقصى عندنا
، ونهر الغانج عند الهنود ، ومعابد المايا في أمريكا بالنسبة للمكان ، وشهر رمضان ، ويوم الجمعة عندنا، ويوم السبت عند اليهود ، وباقي أعيادهم المرتبطة بما يزعم أنهم تعرضوا له من نفي وتشريد وإبادة ، وفترة أيام أعياد المسيحية ؛ ويوم الأحد بالنسبة للزمان ، وبالتالي فالدين مجرد عنصر ثقافي ؛ فيه بعض من شخصية ، وقيم
، وحاجات وآمال الشعب الذي أنتجه ، وكل شعب يزعم أن منتوجه أرقى من منتوج غيره وأفيد
،وكل يحاول أن يربطه بالسماء، وبالتالي فالدين أي دين فيه أخلاق (فضائل)، تحفظ النظام والانضباط ، وتحقق الانسجام والتجانس بين الأفراد والجماعات ، وفيه لا أخلاق
(رذائل) قد تتحول إلى عقبات وعوائق تكبح التطور وتدفع إلى التخلف والتردي، وإلى تصدع المجتمعات واندثارها ، والأخلاق المستمدة من الدين كغيرها ، تتغير وتغير ، فتسمو وتنحط بحسب سمو الإنسان أو انحطاطه، ولكنها تِؤثر
بدورها في تشكيل وعي الفرد والمجتمع ، بطرق مختلفة : منها الصريح ومنها المتماهية ،
ومنها البارزة والعلنية ، ومنها المتسربة والمتسللة عبر الذوبان في غيرها ، فالكثير من أخلاق
الأمم هي بعض من دينها ، كما أن ديانات الامم هي جزء من أخلاقها. لكن من يدعي أن دينه من السماء
السابعة، حملته الملائكة، وأن الصراع ليس بين البشرومصالحهم، ولكنه صراع بين الله وعباده
من جهة وبين الشيطان وعبيده من جهة أخر لن يقبل هذا التحليل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق