الأحد، 24 يوليو 2016

ماذا يعني أن تكون سلفيا ؟.


أن تكون سلفيا يعني أن لا تفكر ، بل أن تعرف كيف فكر السلف ،وألا تحلل ولكن أن تعرف كيف حلل السلف ، وأن لا تحاكم بل أن تعرف كيف حاكم السلف ، وأن لا تنتقد بل أن تعرف كيف انتقد السلف ، وبالتالي أن تعتقد وأن تعبد وأن تسلك وتتصرف كما اعتقد وعبد وسلك وتصرف السلف ،وأيا ما كنت فحين تحجر عقلك عن التفكير تكون سلبيا ، و في أقصى درجات السلبية في مقابل إيجابية السلف، ، أن تكون ميتا روحا وفكرا ؛ و إن كنت تعتقد واهما أنك حي ، فحياتك من حيث درجة رقييها تبقي - في هذه الحالة - دون حياة الدودة ، لأن الدودة تتصرف وتسللك وفق غريزتها ومحيطها وظروفها الحالية وتتفاعل مع ( كل معطيات ومتطلبات حيز وجودها المكاني والزماني والمناخي) أما السلفي فيسلك وفق ما رسم له الأموات منذ مئات القرون وهم يواجهون ( معطيات و متطلبات وحيز وجودهم المكاني والزماني والمناخي) وليس وفق معطيات ومتطلبات وجوده.

وهذا يعني أن السلفي لا يستطيع التفكير بنفسه بل يفكر بواسطة الأموات ، ويشاركهم موتهم ، وبالتالي فقد يعيش بفكر (العلم الشرعي ميراث النبوة ) ؛ ولكنه عاجز عن التفكير تماما، بل يقدس تفكير غيره على تناقضه ، ويفنى فيه ،والأدهى من ذلك أنه يعمد إلى تحريم التفكير على غيره ، بحجة أن انتقاد السلف هو تطاول على العلماء و استخفاف بهم ، و انتهاك لأعراضهم ،وهو بذلك فسق وضلال لأنه يؤدي إلى انصراف الناس عن الميراث النبوي الذي يحملونه ؛ وهذا فعل أعداء الرسل في كل زمان ومكان وبهذا التأثيم يحكمون الطوق على العقل، ويمنحون لأنفسهم حق المواجهة العنيفة لخصومهم باعتبار ذلك جهادا لحماية الدين.

حين نريد تحديد هوية السلفي لا نجده هو ، بل نجد شخصية شكلها الأموات ، شخصية هي ثمرة ومحصلة أقوال السلف وأفعالهم ، الذين لا يعرفون شيئا عن عصر السلفي لا المادية ولا الروحية ، ولا الاجتماعية ، ولا السياسية ،ولا الاقتصادية ، ولا الحضارية ولا الثقافية ، وبالتالي فهو شخصية غريبة عن عصرها ، ناكرة لكل ما فيه ، معادية له بحكم أن الناس أعداء لما جهلوا؛ يعيش وجوديا حالة انفصام مطلق بين الجسد والروح ، روح من القرن السابع الميلادي في جسد من القرن الواحد والعشرين ، وهنا تكمن المأساة الفردية والاجتماعية في المجتمعات السلفية ، لأن الإنسان في هذا الوضع لا يتحمل مسؤولية ما يفعل بحكم أنه محتل العقل ، مركوب بشيخ أو عدة شيوخ هم أنفسهم يفكرون بواسطة الأموات ، والميت لا يسأل عن سرعة أو بطء تحلل جسمه في قبره أو خارج القبر ، لسيطرة حالة العجز المطلق عليه ، ولا فرق بينهما إلا في الطاقة فالميت معدوم الطاقة ، وهذا قد يكون لديه فائض في الطاقة.

وقد يصرف هذا الفائض في إيذاء الآخرين وهو لا يقصد معتقدا أنه يصلح بمقاييس السلف التي كانت سائدة في مكة في القرن السابع والثامن. كما لا يمكن ان يؤاخذ السلفي على نتائج أقواله أو افعاله بحجة أنه مثقف ، فالسلفي كل ما ازداد معرفة برجال السلف وأقوالهم وأفعالهم عد ذلك مكسبا يعز عليه التفريط فيه ، وتقوية لأسوار السجن الذي يتحصن فيه مع الصالحين ، وأزداد تطرفا ،لأنه يقرأ بانتقاء فيختار من فكر السلف ما يتوافق ويتجانس مع النماذج التي احتلت فكره ووجدانه ، وينفر من كل ما يتعارض مع الفكر السلفي أويقدح فيه.

من المسؤول إذن؟ : المسؤول هو الأشخاص و المجتمعات التي اكتسبت القدرة وكفاءة التفكير بنفسها في قضايا الوجود وشروطه ومتطلباته وأهدافه ، وذلك بفعل ما يمكن فعله لمنع اختطاف الصبيان وإغراقهم في حمام السلفية المميت ، وإلا فإن شرها سيزداد في السنوات القادمة ، والسلفيون أبرياء من كل ما قد يلحق البشرية من أذى ، لانعدام توفر اهم شروط المسؤولية في السلفي وهي قدرة العقل على التفكير بذاته ولذاته بموجب قدراته. وحريته في اختيار ما يتوافق وينسجم مع شروط وجوده الحالي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  .الدائرة جلست في الساحة العمومية؛ على كرسي من كراسيها الخشبية المهترئة؛ أحادث نفسي وتحادثني، ماذا حدث حتى تكاثرت هذه الوجوه المتعبة الحزين...