تعليقا على منشور
لي على أحد مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "أنظمة ومجتمعات
تستثمر في الجهل" كتب أحدهم يقول: "ونحن نقول فكر
وعلم وليس فلسفة ومنطق والفلسفة هي البحث فيما وراء العقل والتشكيك في كل شيء والتمنطق
الزاءد عن حده بحجة الوصول الى الحقيقة المثالية والتي لا وجود لها فيبقى المتفلسف
والمتمنطق داءرا في حلقة مفرغة من الشك والبحث العبثي (الفكر والعلم) هما اساس كل ما
ذكرت في منشورك وهما نقيض الجهل".
وقد قدمت التعليق كما أثبته صاحبه كنموذج للفكر أو قل التصور السائد لدى معظم أفراد الطبقة الوسطى والجامعيين منهم بشكل عام و ذوي التوجه السلفي على
وجه الخصوص .
ومن المعروف أن الناس أعداء للمنكر
إذا ما عرفوه ،وكان لديهم من المؤهلات
الفكرية والروحية والمادية والاجتماعية ما يمكنهم من إنكاره والتصدي له ،وهم أيضا أعداء لكل ما جهلوه وتعذر
عليهم فهمه، ومن لا يعرف أبسط مبادئ المنطق ، أو أستقى موقفه من الفلسفة من شيخه الداعية
دون أن يفتح يوما كتابا من كتبها ، فلا عجب إن تبين من كلامه أنه يرى التناقض واللفظية
الفارغة علما ، والهرطقة والهلوسة فكرا ولا يرى في ذلك لا عيبا ولا غضاضة بل يرى سعي
العقل وكده الدائم في سبيل الوصول إلى الحقيقة المثالية جرما يستوجب تحريمها ، وينفي
وجود الحقيقة المثالية بالمطلق بلا دليل؛ وهو يجهل أن المنطق الفلسفي نفسه يقرر أن
الحقائق نسبية ؛وأن الحقيقية جنوب جبال البرينيه ليست بالضرورة هي نفسها في شمالها
، وأن النقد والمراجعة والتعديل من مبادئ التطور: الفلسفة أم العلوم ؛ ومن عق أمه وتبرأ
منها لا خير فيه، ولا نعرف علما أجمع الدارسون على وصفه بالعقوق ، ولكنها كلها علوم
ولدت من رحم الفلسفة واستوت في حضنها ورعايتها حتى اشتد عودها ثم استقلت عنها نسبيا
؛ ولولا المنطق الرياضي ؛ والمنطق العلمي ،وطرق الاستدلال السليم العاصم من الخطأ؛
وأنواع المنطق المستعمل في علم الدلالة والحاسوب و...؛ ومناهج البحث العلمي والاجتماعي
والسياسي والاقتصادي لما تمايزت المجتمعات الإنسانية عن قطعان باقي المخلوقات ؛ ولما
تباينت فيما بينها وفضل بعضها على بعض ؛ ولما كان لنا أن تواصل كما نفعل الآن
.
لا يوجد فكر بلا منطق ؛ اللهم إلا إذا
كان المقصود هو الفكر الخاطئ ؛ والمعرفة العامية والمغلوطة المخلوطة بالأوهام والخرافة
؛ و أما العلم بمعناه الحقيقي فالمعروف عند العقلاء ؛ أنه لا يوجد علم بلا أسس منطقية
تحويها نظريات وقوانين وقواعد مؤسسة أثبتت البراهين والتجارب صحتها بشكل يقيني ، ووافقت
قواعد المنطق ، وطبيعة الأشياء ؛ وطابقت الواقع ،كما قال ابن خلدون في مقدمته ، أما
من كان من أدوات الأنظمة القائمة المحافظة على الوضع العفن السائد ؛ أو كان ممن يعتبر
السحر والرقية والأدعية وكل الفرضيات الوهمية التي تخدر و تكبل عقول هذه المجتمعات
البدائية التي جمعت كل الشرور المذكورة أعلاه علما فهو ممن لا يعنيهم هذا المنشور.
ولا غرابة فقد جاء في صحيح مسلم :"« إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ
نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا - وَعَقَدَ الإِبْهَامَ فِى الثَّالِثَةِ
- وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ». يَعْنِى تَمَامَ ثَلاَثِينَ."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق