الأحد، 15 أبريل 2012

فخر الحمار


فخر الحمار


في إحدى الليالي ؛ حزن الحمار لطول مكوثه على ذمة صاحبه " العَرْبي" الذي أبى أن يبيعه ؛ واحتفظ به في ملكه حتى مل عشرته ، رغم أنه أنجب له حميرا كثرا: ذكورا وإناثا ، و انسلخ ظهره في خدمته ؛ وبانت عليه مقدمات الشيخوخة ، فأراد أن يعبر عن مصدر ضيقه و حزنه لأبنه بجانبه ، قال:
يا بني : اعلم أن أباك صابرا ابن صابر ، وأمي طاعة بنت نافع ، أتميز بصفات أُحَب من أجلها ، ولا يستطيع أحد أن ينازعني فيها، وعليك أن تفخر لأن فيك مني مثلها ، فأنا صبور حمال للمشقة ، ورغم أن هذه الصفة تنسب غالبا إلى الجمل ؛ فيزهو بها على سائر ذوات الحافر و الأظلاف؛  إلا أني أجد في نسبتها إليه دوني ظلما وتجنيا؛ لأنه قد يصبر على العطش أكثر مني ولا أجادل في ذلك، وقد يصبر على السير والضرب في أرض الله لمسافات أجد صعوبة في مجرد التفكير فيها ، ولا جدال في ذلك ، ولكنه لن يستطيع بدوره أن يصبر مثلي على تحمل المهانات ، وأن يوسع قلبه الذي لن يتسع - حتى وإن أراد-  لقبول الشتائم التي يوجهها لي صاحبي" العَرْبي" ؛ فهو يستعيذ بالله من أي صوت يصدر عني ، أو أنوي أن أصدره تعبيرا عن وجودي ، أو طردا للأسى وترويحا عن أشجان النفس ، أو اشتياقا وحنينا لخل طوحت به الأيام ، والقاطرات ؛ من سوق إلى سوق؛ ومن قطر إلى قطر.

ووداعتي لا تضاهيها وداعته، بل وداعة الخراف تنصرف كلمى هزيمة إذا ووجِهت بوداعتي ،ويشهد لي بذلك الصبيان والصبيات ؛ والكهول والعجائز، الأقوياء والضعاف ، الأحياء منهم والأموات ، فظهري ملعب للجميع ، ومرمى تجتمع بساحته السياط ؛ وعرضي مسخرة للقاصي والداني .
وأنا وفي، لا أحمل الحقد ، قليل المؤونة ، ، هين لين؛  يتهمني الأغبياء بالغباء والسذاجة ،فيحز ذلك في نفسي ويؤلمني ؛ وأتمنى رفسهم ولكني لسماحتي ورزانتي لا أفعل ، و لا أجد عندها بدا من أن أصهل لأنفس عن غيضي، فيتعوذ صاحبي من صوتي ويلعنني .
ورغم أنه لا يوجد في البر والبحر؛  من ينافسني في صفات كمالي هذه ؛  إلا أني أقر أمام الله أن سيدي "العَرْبي" يفوقني في هذه الصفات بآلاف المرات؛  فما ألقاه منه بعض مما يلقاه هو من سيده الذي يحكمه منذ عقود عن بعد ، دون أن يراه، ودون أن يدفع فيه ثمنا ، ورغم ذلك لم يتجرأ فيصهل ولو مرة واحدة ، ومع ذلك لم أتعوذ منه.



الضيف حمراوي 17/06/2008


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

القول ما قالت حذام

  قا ل ، وروي ، والقول ما قالت حذام مع افتراض صدق النية، وسلامة الطوية ، فإن البصر بطبيعته كثيرا ما يخدع ، فيوقع الإدراك في الخطأ، فينقل ال...