الجمعة، 3 أكتوبر 2014

المجاز العقلي

رأينا في الموضوع السابق أن اللغة تستعمل على وجه الحقيقة وتستعمل  بأوجه  وأساليب مجازية ، ورأينا أن المجاز  يكون مجازا مرسلا ، ومجازا عقليا ، واستعارة .
ونفصل هذه الأقسام بادئين بالمجاز العقلي.

 ويعرف المجاز العقلي أو الإسنادي  بأنه :استعمال الفعل أو ما في معناه على وجهه الحقيقي ولكنه مسند إلى غير ما هو له  أي : أسند إلى مستد إليه  على  سبيل المجاز لأن اسناده  إليه على وجه  الحقيقة لا يقبله  العقل على عكس المجاز اللغوي الذي يكون الإسناد فيه على وجه الحقيقية مع وجود قرينة عقلية تمنع إمكانية تصور الإسناد الحقيقي.
 و إذن حقيقة المجاز العقلي - (تجاوز حدود اللغة ، أو الإنحراف بها  عن المألوف في الاستعمال)- تكمن في الإسناد.
ولأغراض بلاغية أهمها :الإيجاز ؛ والتشخيص ؛والتجسيد ؛ وبث الحركة والحياة في الجوامد والبكماوات يسند الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له في أصل وضع اللغة لوجود علاقة أي:  صلة وملابسة بين معنى الفعل أو ما  اشتق منه ،وبين مكان وقوعه أو زمانه أو سببه  أو مصدره أو اسم الفاعل أو اسم المفعول ، مع وجود قرينة مانعة تمنع إرادة الإسناد الحقيقي  وتكون في أغلب  الأحيان عقلية  مع إمكانية أن تكون لفظية أو حالية .
1- علاقة  المكانية: كإسناد الفعل إلى مكان وقوعه  والمقصود من ورائه الفاعل الحقيقي لاستحالة قيام المكان  بالفعل عقلا ،
كقولك : احتفلت ساحات المدينة بفوز الجزائر في إطلاق أول صاروخ نحو الفضاء.
 فرغم أن الفعل مستعمل في معناه الحقيقي ؛ الأجتماع للاهتمام بالأمر والفرح به ، إلا أنه ليس مما يصدر عن  المسند إليه" الساحات" كميادين وفضاءات   لا تعي ولا تشعر ولا تحتفل إنما هو من طبيعة " الجماهير المحتشدة" المسكوت عنها  في التركيب والمجتمعة بالساحات هي من يفعل ذلك  والعلاقة المكانية. وهي جملة أوجزمن قولك : احتفلت الجماهير في ساحات...، صارت الساحات الجوامد مشاركة في العواطف والافراح...
وكقول الشاعر:
يغنّْي كما صدحت أيكة             وقد نَبــَّه الصبحَ أطيارُها
فالفعل صدح : رفع صوته بالغناء فرحا مستعمل في معناه الحقيقي ، ولكنه مسند إلى من ليست هذه صفته فالأيكة وهي الشجرة الضخمة الوارفة الظلال لا تغني ، ولكنها مكان تغني فوق وخلال أغصانها الطيور ، فالعلاقة مكانية.
2- علاقة الزمانية : كقول زهير بن ابي سلمى
سَتُبدي لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلاً                 وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تُزَوِّدِ
فتبدي أي : تظهر وتكشف مستعمل في معناه الحقيقي ، ولكن إسناد الفعل "ستبدي" إلى "الأيام " لا يقبله العقل على وجه الحقيقة {القرينة المانعة :عقلية} لأن الأيام هي عبارة عن ظرف زمان حيادي؛ لا يعلم ، ولا يجهل ، ولا يبدي ولا يخفي ، وليس له إرادة  ولا قدرة على التصرف  وإنما يكون وعاء أو ظرفا تقع فيه الحوادث وتصرفات الناس  فتكشف لك- كما يقول الشاعر- حقائق الأمور وطبيعة الأشياء ، {والعلاقة زمانية} . وهكذا...
 
وما في معنى الفعل هو ما اشتق منه او أدى معناه الخبر في مثل:ساحات المدينة محتفلة بفوز الجزائر في إطلاق اول صاروخ نحو الفضاء.
 ومثل : ضربت الجزائر أعداءها ، والجزائر ضاربة  أعداءها ، ومضروبة الجزائر من أبنائها .
، فأنت ترى أن المسند  في هذه الأمثلة ليس الفعل فقط ،  ولكن اسم الفاعل ، واسم المفعول . وجميعها مسندة كصفات إلى بقعة جغرافية محددة لا تضرب ولا تضرب في حقيقة الأمر  وإنما المقصود الذي من طبيعته ان يضرب ويضرب ، ويصح ان يوصف بالضارب والمضروب هو شعبها.

 3- علاقة المصدرية : ما في معنى الفعل المصدر كقول الشاعر:
وذلك حين يسند الفعل إلى مصدره عوض أن يسند إلى فاعله الحقيقي كقول الشاعر:
تكاد عطاياه يُجَنُّ جُنونُها            إذا لم يعوِّذها برقية طالب.
وكقول شاعر آخر:
سيذكرني قومي إذا جَـدَّ جَـدُّهم      وفي الليلة الظلماء يفتقد البـدر.
4- علاقة السببية: إسناد الفعل إلى السبب والمقصود الفاعل الحقيقي كقولنا: بنى الرئيس الشاذلي بن جديد مقام الشهيد. فالشاذلي بن جديد رئيس وليس مهندسا، ولا بناء،  وبالتالي فإسناد الفعل بنى إليه إستاد مجازي لوجود علاقة، تتمثل في كونه سبب البناء والآمر به والمقصود البناؤون والعمال . ومثلها بنى خوفو الهرم الأكبر.
كقول الشاعر:
 أشاب الصغيرَ وأفنى الكبيرَ                   كرُّ الغداة ، ومرُّ العشى
فــ "كر" و"مرّ" مصدران للفعل كرَّ ، والفعل مرَّ ، وهما لا يشيبان ولا يفنيان ، ولا يصح ان يسند لهما الفعلان : أشاب وأفني على وجه الحقيقة. والمقصود مرور الزمن يسبب الشيخوخة ويجلب الفناء
5- علاقة الفاعلية  : حين يكون الوصف" اسم الفاعل" مسندا مجازا إلى الموصوف بينما المقصود هو اسم المفعول: كقولُ اللهُ - تَعَالَى-:﴿فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ﴾ فوصف عيشة  تمت بصيغة اسم الفاعل راضية ،  والمقصود حقيقة عيشة مرضية .
6- علاقة المفعولية  حين يذكر الوصف بصيغة  "اسم المفعول" والمقصود من ورائه اسم الفاعل كقوله تعالى.

  ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا﴾.
والمقصود ساترا.

ملاحظــــــــة

1- ما في معنى الفعل وهو سبعة أنواع، هي:


"1- المصدر 2- اسم الفعل 3- اسم الفاعل 4- اسم المفعول 5- الصفة المشبّهة 6- اسم التفضيل 7- الظرف والجار والمجرور".
2- من الأخطاء الشائعة في هذا الدرس والتي يكررها المختصون والمدرسون  بدون تفكير ولا تدبر ، هو أنهم في تحديد علاقات جميع أنواع المجاز العقلي والمرسل يحددون العلاقة بين المعنى الحقيقي والمعني المجازي باعتبار المذكور بدل الحقيقي  ، لا باعتبار الحقيقي المقصود ، وحين يصلون إلى الفاعلية والمفعولية يقلبون القاعدة بدون سبب ويصبح تحديد العلاقة باعتبار المقصود لا باعتبار المذكور مجازا ، وهو ما يخالف المنطق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إحكام موارد المتعلم.
في مجال  المعارف.

حدد في ما تحته خط  المسند والمسند  إليه وهل المجاز حدث في معنى الفعل أم في الإسناد   وبين نوع الاسناد ، مع تحديد العلاقة و القرينة المانعة  ، ثم تخلص من المجاز بالإسناد الحقيقي.

1-    قال تعالى على لسان زكريا: {إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}

2-   {أولئك الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ}

3-   {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أبناءهم وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}.

وقال  ذو الغصبع العدواني وقد هرم
4-   أهلكنا الليلُ والنهارُ معا ....... والدهر يغدو مصمما جَذَعا

   فليس فيما أصابني عَجَبٌ ... إن كنتُ شَيباً أنكرتُ أو صَلَعا

وقال ابن الرومي.
5-   أرى الشعرَ يحيي الناسَ والمجدَ بالذي        تبقِّيه أرواحُ له عطراتُ

         فما المجدُ لولا الشِّعرُ إلا معاهد        وما الناس إلا أعظم نخراتُ.

6-    قالت الخنساء تصف حال الناقة التي فقدت صغيرها
    تَرْتَعُ مَا غَفَلَتْ حَتَّى إِذَا ادَّكَرَتْ           فَإنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وإدْبَارُ.

7-  "عبدُ الله ليلُهُ قائم، ونهارُهُ صائم".
 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

القول ما قالت حذام

  قا ل ، وروي ، والقول ما قالت حذام مع افتراض صدق النية، وسلامة الطوية ، فإن البصر بطبيعته كثيرا ما يخدع ، فيوقع الإدراك في الخطأ، فينقل ال...