الجمعة، 19 ديسمبر 2014

بيان موجه لعلماء الأزهر -2-


ثانيا:
نعم نحن نؤمن إيمانا جازما بالله وبوحدانيته، وبأنه رب الكون ما ظهر منه وما بطن ، ما تحرك فيه وما سكن ، ما كان منه وما هو كائن وما سيكون، ونؤمن بأنه تقدست ذاته وجلت صفاته، هو القوة المطلقة ، والحكمة المطلقة، والعدل المطلق والرحمة المطلقة.

 ونؤمن بكل ما أوحى به  على المعنى الذي أراده.

 ونؤمن  بما جاء عن الرسل بالوجه الذي صح عنهم عندنا ؛ وعند كافة أهل العقول السوية في العالم.

ولكننا نؤمن أيضا أن كلام الله ، وسنن أنبيائه القولية والفعلية قد غطتها مفاسد البشر ، وجرأة المرضى منهم والمدلسين ، ونؤمن أن التحريف والتجديف قد فاق كل احتمال بحيث نصب الكثير من الحكام والكثير من الفقها والائمة ، والكثير من أصحاب المذاهب ، والكثير من المسترزقين بالأديان  ومن أمراء العصابات  والفرق طوال الأربعة عشر قرنا الماضية من تاريخنا  من أنفسهم خلفاء لله في الأرض ، وناطقين باسمهم  ناسبين إليه ما لا تجوز نسبته عند العقلاء بأي حال ، يتصرفون في أرواح الأبرياء ومصائر خلقه  وفق أهوائهم الدنيئة ، ويفسرون اقواله حسب مصالحهم ومصالح عصاباتهم ، ووفقا لما يحفظ لهم مناصبهم وهيبتها .

 تنكرون على داعش العنف والإرهاب، فهل تعرفون أيها السادة علماء الأزهر تراثا دينيا  آخر يزخر بأخبار الدم والقتل والحرق والإرهاب ، وبث الرعب ، والغزو والسبي ، والتهجير يستند إلى تعاليم إلهية في معتقد أهله أكثر من تراثكم الديني  ؟ وهل تعرفون فرقة  أو سلطة كان لها شأن في الإسلام   لم تستعمل العنف والإرهاب بكل أنواعه؟ ابتداء من قتل المسلمين  الذين امتنعوا عن دفع الزكاة للخليفة دون أن يجحدوها أو ينكروها، فاتهموا بالردة، إلى الفتنة الكبرى ، إلى  مجازر بني أمية، والعباسيين ، ومحنة المعتزلة والحنابلة ، والرافضة ، والجهمية  والقرامطة والمشبهة وضحاياهم أيضا، وبشاعات الأتراك في قتل الأطفال، وبتر الأطراف، والسلخ، والتنصيف ؟.

أليس من أصول فقهكم سنة وشيعة، أن الكافر يقتل لكفره وليس لعلة أخرى ،وأما الكفر بعد الإسلام فعلة أخرى مبيحة للدم، ولهذا قُتل بالردة من كان عاجزاً عن القتال كالشيخ الكبير والعاجز.  وقد تكون الردة تهمة حبك خيوطها خسيس ، وأشترى شهادة خسيسين ،وهل كانت غزوة بدر التي قتل فيها سبعون رجلا  وأسر سبعون من قريش(صحيح البخاري ؛ج3، ص 1105 رقم الحديث 2874) و أحد عشر رجلاً  من المسلمين ، ملتقى للحوار ، وبعد بدر بسبع ليالي غزت الدولة الاسلامية الفتية بني سليم الذين فروا مثل "الإزيديين" الآن تماما  تاركين ممتلكاتهم ومواشيهم ؟ ثم خيبر ، واستمر الغزو "يسبقه الرعب" كما هو ثابت في صحاحكم المقدسة " بعثت بالسيف" و"نصرت بالرعب " لقد جئتكم بالذبح " .... قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي،  وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ. (مسند أحمد بن حنبل - شيخ البخاري-ج9 ص 123 رقم الحديث 5114)  الذي طال القبائل قبيلة بعد قبيلة والناس تفر في كل اتجاه  طلبا للنجاة بأرواحها  دون سبب واضح  فالقول المنسوب إلى الرسول " « أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّى مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ" ( صحيح مسلم  ج1 ، ص133 رقم الحديث 133)  ،ثم أصبح هذا غير كاف بموجب الحديث الثابت في البخاري " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ؛ ويقيموا الصلاة ؛ ويؤتوا الزكاة  ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله "( صحيح البخاري  ، ج1 ،ص 17 ، رقم الحديث 25 ) وفي بدأ غزو يهود خيبر ، ويسأل علي بن أبي طالب :  صارخا ، يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟.

 ما هو الفرق بين هذا - وهو قطرة من محيط تراثكم المقدس - وبين ترويع الأمنين الذي تقوم به الدولة الاسلامية الحالية التي تتبع السنة الصحيحة ، هل هؤلاء – قتلى  الجهاد الحالي - بشر ، وقتلى الغزو الأول كانوا بقرا ؟ أم  أن مجاهدي صدر الدولة الاسلامية  كانوا ملائكة  غفر لهم ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر ؟  وهؤلاء –مجاهدو الجماعات والمليشيات السنية - شياطين ؟ هل وجدم ما ينسخ السنة ويمحو "قتلاكم في النار وقتلانا في الجنة "  أم مازالت كما هي لا تزول ولا تحول؟  هل تنكرون  أن  مرجع أولئك وهؤلاء ومرجعكم ، وسنتهم وسنتكم نفس النص، بنفس اللغة  تدرسونها صباح مساء في كل بيت، وزاوية ، ومعهد ومسجد؟ وتحتذونها – أنتم وهم- حذو الحافر بالحافر والكافر بالكافر ؟.و نفس الأسئلة تنسحب على كل ما تلا  هذه البدايات من غزو للقبائل العربية.
وهل الخلافات التي نشبت بين اليهود والمسلمين في المدينة حلت بالحوار أم انتهت بتحريق نخيلهم وباجتثاثهم من المدينة "حاربت النضير وقريظة فأجلى بني النضير وأقر قريظة ومن علهيم حتى حاربت قريظة فقتل رجالهم وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين إلا بعضهم لحقوا بالنبي صلى الله عليه و سلم فآمنهم وأسلموا وأجلى يهود المدينة كلهم بني قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام ويهود بني حارثة وكل يهود المدينة" ( صحيح البخاري ج4، ص1478 رقم الحديث3804) ؟ فهل  سلك المسلمون الأوائل  طريق الحوار المفضية إلى الصلح ؟،جاء في حديث للبخاري ما نصه "... لما فتحت مكة قسم الغنائم في قريش فقالت الأنصار إن هذا لهو العجب إن سيوفنا تقطر من دمائهم وإن غنائمنا ترد عليهم "(صحيح البخاري ج3 ص1377م رقم الحديث 3567 ) فهل تجدون  هذه الدماء المهدورة  برهانا على فتح  مكة بطريقة سلمية؟ ، هل تحاور المسلمون مع المسلمين الذين امتنعوا عن دفع الزكاة إلى الخليفة أبي بكر  ؟ الذي استشهد بحديث البخاري في مقاتلة الناس وبني عليه " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، فَمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،  فَقَدْ عَصَمَ مِنِّى مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ ». فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ ، وَاللَّهِ ؛  لَوْ مَنَعُونِى عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَأَيْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِى بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ. " هل تجدون في هذا الحديث حوارا، أو استعدادا للحوار.و نفس الأسئلة تنسحب على كل ما تلا  هذه البدايات من غزو.

  وبدون إطالة في التفصيل والتوثيق ،وبدون العودة إلى الكتب التراثية التي تصف وقائع المعارك ، وتفاصيل ملاحم الغزو التي تصور قطع الرؤوس وبتر الأطراف والتمثيل بالجثث ، نسألكم  هل جمع القرآن نفسه جاء نتيجة للحوار بين الصحابة الحافظين الذاكرين ، أم كتبته الفئة المتنفذة الغالبة؟ وقمعت خصومها بطريقة فجة مهينة؟. هل حاور معاوية علي بن أبي طالب في حل إشكالية مقتل عثمان بن عفان ، والخلافة  ؟ وهل ... وهل...

 وهل حاور علي بن أبي طالب أو معاوية الخوارج ، وأهل حروراء ، وتركوهم  لقناعاتهم ؟. هل شهرة الحجاج بن يوسف تعود لدبلوماسيته ، وقوة حجته ، وسعة صدره ، وتفضيله للحوار على العنف والوحشية ؟  أليس أبو العباس السفاح خليفة المسلمين ؟ أم أنه كان حملا وديعا وألصق به لفظ السفاح لشدة تسامحه،  ورفقه برعيته ؟.هل عرف المسلمون فيما بينهم  وعبر تاريخهم –عبارة في حل خلافاتهم- سوى "يا سياف اضرب رأسه" أو " من منكم يأتيني براسه" .

تذكرون في بيانكم أبناء الأمة، من هم أبناء الأمة عندكم ؟ المصريون ؟ أم السوريون ، أم العراقيون ؟ أم المسلمون؟ كلمة في القاموس الإسلامي  غامضة ملتبسة حمالة أوجه ،و مطية للتدليس والتضليل،   هل المسيحيون واليهود  والصابئة ، ومن يتبع معتقدا آخر غير الإسلام  يعد من الأمة في اعتقادكم وعقيدتكم ، وفي أي مصنف وجدتم هذا؟، أم تقصدون أمة محمد التي يطرَح الحاكم نصفَها ممن الذين لا يرضى عنهم سياسة، ثم يُطرح من النصف نصفُه الآخر الذي لا ترضون عنه أنتم ؟ هل محمد رمضان البوطي حين أهدر يوسف القرضاوي - كبير علماء الاسلام قاطبة -  دمه كان معدودا من الأمة أم لا؟ وهل داعش هي من ابتدعت إخراج غير المسلمين من الأمة ، وأحلت  قتل الرجال وسبي و النساء والأطفال وبيعهم في سوق النخاسة  ؟ هل داعش هي  من أجازت قتل الكافر والمرتد والمحارب وطبخه وأكله  كما هو مكتوب في مراجعكم  التي تدرسونها الآن مثلا (الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع  للشربيني الشافعي ، والفقه على المذاهب الأربعة وهبة الزحيلي)،  في أزهركم ، وفي معظم المدارس  والمعاهد والاسلامية المنتشرة عبر العالم.

 هل وصفتم يوما كتبكم ؛ ومحدثيكم  ومفسريكم وفقهاءكم  باضطراب الفكر ، والجرأة على الإثم والإجرام  والبداوة؟ بل هل نبهتم مرة إلى في هذا التراث من تخلف وبدائيته  وبداوة ، وحذرتم من خطورة نشره  وشجعتم على القراءة النقدية المتحررة ؟، هل طالبتم بسن قوانين رادعة ضد كل من أفتى بهدر دم إنسان آخر  خالفكم  الرأي في قضايا الدين  كسنة ، ووقفتم إلى جانب حقه في التعبير عن قناعاته التي تهدد كراسيكم الوثيرة الآمنة الوادعة التي تبرع بها عليكم ساداتكم الحكام.

هل تركتم للناس فرصة ليستعملوا عقولهم ، أو يهتدوا بمن استعمل عقله ، ألستم أنتم ومن كان على شاكلتكم من قبل ، أو تشكلتم  ونسختم منهم فيما بعد هم من قمعوا الفكر( لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم)، وقتلوا العقل ، وحشوه بالعنعنات ، والتخريف واللامعقول ؟

ثم ما لكم وللإنسانية؟ أليست الإنسانية  هي  مجموع الناس التي أمركم دينكم  المشروخ في صحاحكم بقتالهم كما رأينا؟ أليست الإنسانية ، وحرية العقيدة  ، والديمقراطية ، والعلمانية كفر في اعتقادكم وأديباتكم ؟  بل و في عقيدة كل الديانات السماوية  الأخرى غير الإسلامية ؟ والتي تقبل بالعلمانية مكرهة خشية  ومراعاة  لوعي الشعوب  المرتفع بالبلدان التي تتواجد بها.

 الإنسانية تجعل الإنسان محور العالم، وهو قيمة في حد ذاته ، الحرام ما حرمه هو ، والحلال ما أحله هو ، والمواطن في أدنى درجاته يساوي رئيس الدولة ، وبابا الفاتيكان ، والكافر الملحد يساوي كبير القساوسة ، والمرأة لها حق حكم أرقى المجتمعات إذا حازت الكفاءة التي تؤهلها ،  فهل هذا حلال في دينكم ؟ ، الإنسانية ترى الملحد وعقل الملحد هو الميزان الوحيد الذي توزن به كل الآمور ولا عبرة بأي مصدر آخر للمعرفة والمفاضلة بين الأشياء والقيم ، وأنتم امركم دينكم بقتل الكافر حيثما كان، ومنع العقل من السؤال في ما غمض عليه ولم يستبن وجه الحق فيه، فكيف أصبحتم إنسانين كفرة وأنتم علماء الازهر وحراس المعبد ؟ نؤمنون بالإنسانية وتدافعون عنها؟   أو على الأقل توالون الكفار؟ أم هذا يحتمه عليكم باب دينكم " الحرب خدعة "(صحيح البخاري ،ج3،ص1102.(1)
 إن آخر من يحق له الحديث عن الإنسانية هم المسلمون، وآخر من يحق له الحديث عن الإنسانية من المسلمين ،الجماعات الجهادية على اختلافها ،المغرر بها  والمسخرة لتصفية الحسابات بين الأذكياء،وإفناء ما بقي من هذا الجسم المتهالك ، وفي ذيل هذا الترتيب يأتي رجال الدين والأنظمة الفاسدة  ومختلف القوى المتحالفة معها ، التي تصنع الإرهاب لتستخدمه  في استعباد الأمة وتقسيمها ، وابتزاز العالم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.(1)- الكتاب : الجامع الصحيح المختصر
المؤلف : محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي
الناشر : دار ابن كثير ، اليمامة - بيروت
 الطبعة الثالثة ، 1407 - 1987
 تحقيق : د. مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة - جامعة دمشق
عدد الأجزاء : 6
مع الكتاب : تعليق د. مصطفى ديب البغا

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

القول ما قالت حذام

  قا ل ، وروي ، والقول ما قالت حذام مع افتراض صدق النية، وسلامة الطوية ، فإن البصر بطبيعته كثيرا ما يخدع ، فيوقع الإدراك في الخطأ، فينقل ال...