الأربعاء، 24 ديسمبر 2014

بيان موجه لعلماء الازهر -4-


 
في البند الثالث، ، وعلى عكس المتوقع ، يخرج أصحاب البيان من عباءة الدين ويلبسون عباءة السياسة الزئبقية؛ مستعملين الفاظ السياسيين التي ألفناها لا تقول شيئا، لاتسمن ولا تغني ؛ ولعل السبب الكامن وراء هذا؛ أنهم يوجهون بيانهم للسياسيين طلبا لرضاهم ودفعا لغضبهم ،  فلا غرو  إذا ظهرت فيه خطوط المغالطة المنطقية ، والحيد المقصود عن المطلوب بارزا ،فالموقف الذي يقفه علماء الأزهر صعب؛ بين عسكر وملوك وأمراء يمارسون السياسة بلا قواعد، وجماعات دينية سلفية في فكرها عوار يستحيل علاجه ، وقسم كبير من  شعوب أمية متعلقة بالعنعنة وسلاسلها أكثر من تعلقها بالدين، ـتؤمن بالله وتعبد البخاري ومسلم ، وقسم آخر ، أي قليل نعم ولكنه لم يعد يقتنع بترهات التراث الديني المصنوع بداية لإرضاء الخلفاء وزعماء الحروب والصراعات بين الأسر الهاشمية والأموية وأحلافها ،وتصفية الحسابات بين الأديان والملل ،إذن لم يبق  مخرج لعلماء الأزهر سوى الانخراط هم أيضا في  السياسة والتلاعب بالألفاظ ، وليتواصل لعب الجميع  بالضحايا من الشعوب العربية المستكينة مسلمين وغير مسلمين.

 في هذا البند يستعمل البيان لغة السياسة ومفرداتها بعيدا عن المصطلحات الدينية المعروفة ،حين يكتب الشيوخ " إنَّ تهجيرَ المسيحيين وغيرِهم من الجماعاتِ الدِّينيَّةِ والعِرقيَّةِ الأخرى جريمةٌ مُستَنكرةٌ، نُجمِع على إدانتِها" ودون تحديد  إن كان ما تفعله داعش وبناتها المتعددات من الدين  والسنة الصحيحة ام لا؟. وهل ما قامت به مطابق لما حدث حين أخرج بنوقريضة من المدينة أم لا؟. وهل هناك نصوص قرآنية  وأحاديث صحيحة  في الصحاح استند عليها الجهاديون  تأمر بالتطهير الديني  أم لا؟ وهل هي مدرجة في المناهج الرسمية ، و تدرس في مدارس وثانويات وجامعات ومساجد كل البلدان الإسلامية أم لا ؟ وما موقف الأزهر وعلماء الأزهر منها قبل ظهور الجماعات الجهادية ؟ وما موقفه من إدراجها في المناهج و من تدريسها ؟ وحينئذ يمكن للمسلمين الذين يتوجه إليهم الأزهر ببيانه  أن يحددوا وجه الصحة والصواب فيما يحدث ، وأن يحددوا من هو المجرم صاحب الجريمة .

  و لكثرة ما دار رجال الدين في خدمة ، وفي إرضاء نزوات  أصحاب السلطان ، وهو الدوران الذي أثمر هذه الجماعات  التي يدعو البيان الآن إلى مواجهتها ، لم تعد  الجماعات الجهادية والكثير الكثير من عامة الشعب ،  تثق ابتداء في علماء الأزهر ومن اجتمع إليهم من أئمة الأنظمة. خاصة وان الجميع يؤمن بالحديث الصحيح :
 « يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَاىَ وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِى وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِى جُثْمَانِ إِنْسٍ ». صحيح مسلم ، ج 6 ن ص 20 ؛ حديث رقم 4891 ، والجميع  - الجهاديون وعامة الشعب خزانهم الذي يزودهم بكل ما يحتاجونه- لا يريدون الخروج عن سنة الرسول وسنة الخلفاء من بعده.

" عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ "السنة للمروزي.
 والجماعات الجهادية السلفية لا تعمل بمبدإ التقية  ولا تقول بقول المرجئة مثل شيوخ الأزهر.

 و لوجاهة ما تفعله الجماعات الجهادية المطبقة  لعقائدها ؛ وفقا لما تلقاه شبابها ، في  مدارس الأنظمة في الداخل ،  وفي المراكز الثقافية والدينية، وفي المساجد والنوادي لاسلامية التابعة للجاليات في بلدان العالم ، وعلى يد النخبة المرضي عنها ؛ من شيوخ ؛ ودعاة ؛ ومربي ؛وأئمة الأمة الإسلامية ، ولتجنب الحرج والإحراج ؛  يبتعد  الأزهريون؛  أصحاب البيان قصدا عن استعمال الكلمات  الشرعية المتواترة في كتب السنة،" إخراج "تقية"  ويستعملون "تهجير" لأن المعروف المشهور في التراث الإسلامي  أن الاسلام أخرج وأمر بإخراج غير المسلمين من ديارهم  التي أصبحت بفضل الغزو ديارا للإسلام ؛ ومصادرة ممتلكاتهم.
 "إخراج المشركين، وإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب،( من اليمن إلى تركيا' ومن الأحواز إلى البحر المتوسط فالأحمر) "...عن ابن عباس  قال: أوصى عليه الصلاة والسلام عند موته بثلاث ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ) ( صحيح البخاري،ج3 ص111، حديث رقم 2888". فما ينبغي أن يكون الجزيرة لا مشرك لا يهودي ولا نصراني ولا وثني فلا ينبغي لأي من هؤلاء أن يقيم أو يستوطن بها.
"لا يبقين دينان بجزيرة العرب". موطأ الإمام مالك ج3؛ ص334؛ حديث رقم 873

في صحيج مسلم «لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلمًا». صحيح مسلم ، ج5، ص160، رقم الحديث 4693.
 في الصحيحين : «أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز».

وفي مسند أحمد : عن عائشة قالت: «كان آخر ما عهد به رسول الله أنه قال: لا يترك بجزيرة العرب دينان» ج43 ص371.حديث رقم 26352 .
وقد اتفق العلماء على أن ما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم رحمهم الله أنه يفيد العلم اليقيني"

 وجاء في كتب التراث " اتفق من يعتد بقولهم من فقهاء الأمة وعلمائها على أنها لا تجوز إقامة اليهود والنصارى والمشركين في جزيرة العرب لا إقامة دائمة ولا مؤقتة"

 فكيف تستنكرون ما قامت به ( الدولة الإسلامية ) المطبقة (لنصوص الشرع)  التي طالما شوقتم إليها الأجيال المؤمنة ؟  ؛ أم تطبقون مبدأ حيثما كانت المصلحة فثمة شرع الله ، والمصلحة طبعا هي مصلحة المسلم لا غير ، لأن هذا الذي وقع  للكفار والمشركين ؛؛ من غير المسلمين ،  في نظر الجهادين الساعين لأن تكون كلمة الله هي العليا، مبتغين نيل الجنة ،  والخلود فيها مع الشهداء والانبياء والمرسلين ؛ ليس تهجيرا ،  وإنما تطهير للجزيرة من المشركين واليهود والنصارى ؛ وهو اقتداء بـ (صحيح السنة) حسب فقهاء الدولة الإسلامية.

" فَأَشَارَ(جبريل)  إِلَى بَنِى قُرَيْظَةَ فَقَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْحُكْمَ فِيهِمْ إِلَى سَعْدٍ قَالَ فإني أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَأَنْ تُسْبَى الذُّرِّيَّةُ وَالنِّسَاءُ وَتُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ. صحيح مسلم ؛ج5؛ص160 حديث رقم 4697. " وإجلاء بني قينقاع من المدينة.

 طبعا لا داعي لتذكير الناس أنه كان لهذا الطرد  أسباب ، فالجميع يعلم  انه قد وضعت له أسباب في الماضي ،وحتما لو استمعنا لداعش  اليوم  ولوجدنا عندها أسباب أيضا ،  فمنطق تبرير الجريمة حين تصدر من المنتصر هي  أهون ما يطلب.

 وأما الطرد الذي طال مسلمين غير منضبطين من  المناطق التي  دخلت تحت لواء الدولة  الاسلامية فهو يوضع في إطار تطبيق شرعي للجزء الأخير من الآية 33 من سورة المائدة "  إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة : 33] أي  " نفي"  وليست تهجير وفي هذه الحالة يكون   علماء الأزهر حادوا عن استعمال المصطلحات الدينية إلى المصطلحات السياسية، كما أن إدانتهم  لما ترتكبه الجماعات الجهادية ليس لها أي معنى شرعي ، وهو ما كان منتظرا منهم  ، أما الاستنكار والإدانة فهو متروك لمجلس الأمن ، و قادة العالم غير المسلم  ،و  قوات التحالف ، ومنظمات حقوق الإنسان...

 "يناشد الأزهر المسيحيين بالتجذُّرَ في أوطانهم، حتى تزولَ موجةُ التطرُّفِ التي نُعاني منها جميعًا" بالتجذر في أوطانهم  ، وهو ما يعني  الطلب منهم البقاء هناك جتى يقتلوا ويدفنوا في أماكنهم ،  طبعا هذا ؛  بدل أن يدعو  العلماء الأفاضل إلى حث مسلمي العالم على التصدي  للجهاد السلفي الزائف ؛ بجهاد حقيقي يدافع عن حق الإنسان في الوجود ، مطلق الإنسان : الكافر - بغض النظر عن درجة كفره - . والمشرك ؛والمؤمن. المسلم والمسيحي واليهودي والصابئ   والمجوسي والبوذي. الأسود الأبيض والاسمر والأصفر  والملون. الذكر والانثى ، الصبي والكهل والشيخ . الصبية والفتاة والمرأة والعجوز الفقير والغني . ويدافع عن حق الإنسان، مطلق الإنسان في العيش بكرامة، مصون الحقوق الأساسية حيثما استقر- ومن ضمنها حقه في حرية  الاعتقاد وممارسة العبادة. جهاد يدافع ضد ظلم الأنظمة المستبدة الفاسدة ، بنفس الشراسة التي يدافع بها ضد جرائم  الجماعات الدينية ؛المريضة؛  المتخلفة المستندة إلى ديانات شوهتها أو صنعتها عقول مريضة ؛ متعطشة للدماء؛  والذبح والحرق ؛والتمثيل بجثث الضعفاء.

ولعل عذر علماء الأزهر، هو أنهم لا يجدون مثل هذا الموقف الذي يسع كل الناس في دينهم الذي يصلح لكل مكان وزمان. أو لأنهم يخشون إن عبروا بصراحة عن موقف إنساني نبيل مثل هذا ،أن يكفروا ويمرقوا من الدين الذي جاء رحمة للعالمين ،ويقعوا تحت عقاب الجماعات الجهادية بموجب أحكام الدين  إذا ما كتب النصر لخليفة الدولة الإسلامية وجنده  وتم إعلاء كلمة الله ، وأقيمت الخلافة الراشدة ، أو  يقعوا تحت عقاب القوانين (المدنية)  التي يكفر بها المجتمعون تحت قبة الأزهر، ويحتمون  بغطائها، فيستبدلونها بدولة  ي بيانهم "مجتمعاته الاهلية " القائمة في بلدانهم  (الوطنية) ، والمستمدة من دستور الجمهورية الذي ينص على " الاسلام دين الدولة " وهو مصدر التشريع لكل القوانين.

حيثما وجد الإنسان ما يحفظ كرامته الإنسانية وحقوقه الأساسية  فذاك وطنه ، وحيثما كان المكان الذي ضيعها فيه فيه فهو بلد العداوة والأعداء ،هو المنفى حتى وإن كان مسقط رأسه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

القول ما قالت حذام

  قا ل ، وروي ، والقول ما قالت حذام مع افتراض صدق النية، وسلامة الطوية ، فإن البصر بطبيعته كثيرا ما يخدع ، فيوقع الإدراك في الخطأ، فينقل ال...