الأربعاء، 27 يوليو 2016

تمنياتك يستحيل أن تمر ببالي




كتب الأستاذ عبد الله حسن  يوم 23جويلية 2016م يتساءل متمنيا
 

هل سيأتي ذلك اليوم الذي تنتشر فيه المدارس والمعاهد والجامعات ومراكز البحث العلمي بدلا من انتشار المساجد والمدارس والمعاهد الدينية ؟؟؟

 هل سيأتي ذلك اليوم الذي نقرأفيه التاريخ ونكتشف حقائقه ونوظفها في خدمة الإنسانية كما اكتشفنا الحقائق العلمية ووظفناها في خدمة الإنسانية ؟؟؟

هل سيأتي ذلك اليوم الذي نعيش فيه احرارا لا نخاف طرح ونقد وتحليل الأفكار ولا مناقشة المعتقدات ؟؟؟

 هل سيأتي ذلك اليوم الذي يحل فيه التفكير العلمي والإبداع والإكتشاف محل التلقين والحفظ الصم للآيات والأشعار والنصوص الدينية.. ؟؟؟

 هل سيأتي ذلك اليوم الذي لا قيمة فيه للإنسان الا بحسب عمله أولا وعلمه ثانيا ..فالعمل ضروري لإستمرار الحياة والعلم ضروري للإرتقاء بالحياة ؟؟؟

 هل سيأتي ذلك اليوم الذي لا عنصرية فيه ولا عبودية ولا تكفير بل عدل ومساواة بين جميع الناس واحترام لجميع العقائد ؟؟؟

هل سيأتي اليوم الذي نجد فيه للفن مكانا محترما فيروح عن النفس ضغوطات الحياة ويهذب النفس ويجعلها تتوق الى الكمال بالحب والإنسانية ؟؟
 هل سيأتي ذلك اليوم الذي ينتفي فيه جميع اشكال الإرهاب والعنف والإكراه والقسر والقهر والحقد والكره ... ؟؟؟.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                  سيدي الفاضل عبد الله حسن .

تمنياتك يستحيل أن تمر ببالي.
 لا لن يأتي "هذا اليوم" لأننا شعوب كلها تريد الذهاب إلى الجنة ، والطرق المؤدية إلى الجنة أسرارها ومنافذها عند رجال الدين فقط ، و عتبات أبواب الجنة تبدأ من عتبات المساجد والمدارس والمعاهد الدينية  والزوايا والحسينيات ؛ وبمباركة الشيوخ ، العلم عندها هو حفظ القرآن و ما تعلق به، " والعمل الصالح الذي يراه الله ورسوله والمؤمنون هو الجهاد ،ونشر الدعوة ، وعبادة رجل قلبه معلق بالمساجد ؛ أما أبواب المدارس العلمية ، ومعاهد التكنولوجيا المختلفة والجامعات ومراكز البحث العلمي فهي مفاتيح للعقول المقفلة ، وللتفكير الحر في بنية الكون والفكر ،ومنطلق العلمانية وهذه تفضي إلى الكفر والإلحاد ومحالفة الشيطان الذي لا يكف عن طرح الأسئلة التي تجلب اللعنة؟؟؟.

ولن تستطيع أبدا قراءة التاريخ الذي تحب وكما ترغب ، ،، لأنك ستكتشف الفضائح ، والجرائم البشعة ، ستشاهد ملايين الصبايا المقيدات في طوابير لا بداية لها ولها نهاية تسحب لمتعة الخليفة ورجال الخليفة ، وملايين الغلمان المرد، وتكتشف الكذب والتزوير والتدليس والتضليل، وتكتشف الأوهام التي تحولت إلى حقائق مقدسة لا تنتقد ، وتكتشف الحقائق التي سفهت وابتذلت وغدت مسبة، ستكتشف ، وتكتشف ، وتكتشف ، وقد تكتشف أنك لست عربيا ، وقد تكتشف أكثر من ذلك مما لا يستوعبه عقلك.

لن يأتي اليوم الذي تعيش فيه حرا ،لأنك قد تحب أن تفكر أو تقول أو تعمل أشياء لا يحبها الشيوخ ، والأنظمة الراعية لمصالح الشيوخ ، الضاربة بألسنتهم الفتاكة ،  والضاربين بعصاها السامة المميتة ،  أن تكون حرا يعني أنك  ستستطيع أن تفكر أو تقول أو تعمل أمورا لا  يحبها أولو الأمر وأنت مجبر على ذلك بموجب الشرع : "أطيعوا الله ؛ وأطيعوا الرسول ؛ وأولي الأمر منكم ..." و"تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع." إذا أصبحت حرا يعني أنك ستفكر في المحرم ، وستقول رأيك فيه ، وستقرأ التاريخ وتنتقده بصوت عال ، فيغضب ، الأزهر ، والقرضاوي ، وكبار علماء الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، و السلطان والملك و أردغان وأتباع أردغان ، وكافة علماء الوهابية والسلفية  فتكون من الملعونين الخاسرين. المحرومين من ولوج باب الجنة.

التفكير العلمي يستحيل لأنك ستطرح الأسئلة الممنوعة والجريئة ؛  وستقوم بالتنقيب في مواقع مقدسة لا يسمح بالتنقيب فيها خوف أن تكشف الحقائق المرعبة المدفونة ، قد تسأل أسئلة بسيطة مثل: إذا كانت مياه زمزم بالغزارة التي نراها اليوم تروي الملايين المتتابعة ولا تنضب ؛ لماذا لم توجد بمكة واحات النخيل ، وغيرها من المزروعات  ؟ لماذا كانت "واد غير ذي زرع"؟ ولماذا كان الفقر والجوع والعرى عامًا فيها؟ كما تقول كتب السيرة . وستستظهر مخطوطات يمنع استظهارها أو الحديث فيها ، وستكشف أن الشيوخ لا يعلمون شيئا في تخصصاتهم ، أو تكشف بالدليل والبرهان أنهم يعرفون ولكنهم ، يدلسون يعني أنك تريد أن تتجاوز الحدود ، وتثبت عكس ما يقول الشيوخ والأئمة المهتمين بدفع الغمة و هداية الأمة وهم ورثة الأنبياء ، وهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

وأما عمل الإنسان المسلم، وقيمته التي يستمدها من طبيعة عمله، فمنصوص عليها ومحددة بالنص الشرعي، والتخلي عن المأمور به شرعا نفاق يشقي صاحبه في الدارين قال صلى الله عليه وسلم : (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) . وقال: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق)، ولا يحق لا لي ، ولا لك  أن نرغب عن صحيح السنة  ونطلب استبدالها بما هو أدنى.

ومحصلة القول كي لا أطيل عليك، أنت واحد من" خير أمة أخرجت للناس"، فماذا تريد أكثر من ذلك ؟؟؟، العالم بأسره يتمنى لو عاش يوما واحدا من أيامك السعيدة.


كاف الخطاب لا تعنيك شخصيا يا أيها الرجل المحترم، مع كامل احترامي لحقك المطلق في الحلم.
 

الأحد، 24 يوليو 2016

ماذا يعني أن تكون سلفيا ؟.


أن تكون سلفيا يعني أن لا تفكر ، بل أن تعرف كيف فكر السلف ،وألا تحلل ولكن أن تعرف كيف حلل السلف ، وأن لا تحاكم بل أن تعرف كيف حاكم السلف ، وأن لا تنتقد بل أن تعرف كيف انتقد السلف ، وبالتالي أن تعتقد وأن تعبد وأن تسلك وتتصرف كما اعتقد وعبد وسلك وتصرف السلف ،وأيا ما كنت فحين تحجر عقلك عن التفكير تكون سلبيا ، و في أقصى درجات السلبية في مقابل إيجابية السلف، ، أن تكون ميتا روحا وفكرا ؛ و إن كنت تعتقد واهما أنك حي ، فحياتك من حيث درجة رقييها تبقي - في هذه الحالة - دون حياة الدودة ، لأن الدودة تتصرف وتسللك وفق غريزتها ومحيطها وظروفها الحالية وتتفاعل مع ( كل معطيات ومتطلبات حيز وجودها المكاني والزماني والمناخي) أما السلفي فيسلك وفق ما رسم له الأموات منذ مئات القرون وهم يواجهون ( معطيات و متطلبات وحيز وجودهم المكاني والزماني والمناخي) وليس وفق معطيات ومتطلبات وجوده.

وهذا يعني أن السلفي لا يستطيع التفكير بنفسه بل يفكر بواسطة الأموات ، ويشاركهم موتهم ، وبالتالي فقد يعيش بفكر (العلم الشرعي ميراث النبوة ) ؛ ولكنه عاجز عن التفكير تماما، بل يقدس تفكير غيره على تناقضه ، ويفنى فيه ،والأدهى من ذلك أنه يعمد إلى تحريم التفكير على غيره ، بحجة أن انتقاد السلف هو تطاول على العلماء و استخفاف بهم ، و انتهاك لأعراضهم ،وهو بذلك فسق وضلال لأنه يؤدي إلى انصراف الناس عن الميراث النبوي الذي يحملونه ؛ وهذا فعل أعداء الرسل في كل زمان ومكان وبهذا التأثيم يحكمون الطوق على العقل، ويمنحون لأنفسهم حق المواجهة العنيفة لخصومهم باعتبار ذلك جهادا لحماية الدين.

حين نريد تحديد هوية السلفي لا نجده هو ، بل نجد شخصية شكلها الأموات ، شخصية هي ثمرة ومحصلة أقوال السلف وأفعالهم ، الذين لا يعرفون شيئا عن عصر السلفي لا المادية ولا الروحية ، ولا الاجتماعية ، ولا السياسية ،ولا الاقتصادية ، ولا الحضارية ولا الثقافية ، وبالتالي فهو شخصية غريبة عن عصرها ، ناكرة لكل ما فيه ، معادية له بحكم أن الناس أعداء لما جهلوا؛ يعيش وجوديا حالة انفصام مطلق بين الجسد والروح ، روح من القرن السابع الميلادي في جسد من القرن الواحد والعشرين ، وهنا تكمن المأساة الفردية والاجتماعية في المجتمعات السلفية ، لأن الإنسان في هذا الوضع لا يتحمل مسؤولية ما يفعل بحكم أنه محتل العقل ، مركوب بشيخ أو عدة شيوخ هم أنفسهم يفكرون بواسطة الأموات ، والميت لا يسأل عن سرعة أو بطء تحلل جسمه في قبره أو خارج القبر ، لسيطرة حالة العجز المطلق عليه ، ولا فرق بينهما إلا في الطاقة فالميت معدوم الطاقة ، وهذا قد يكون لديه فائض في الطاقة.

وقد يصرف هذا الفائض في إيذاء الآخرين وهو لا يقصد معتقدا أنه يصلح بمقاييس السلف التي كانت سائدة في مكة في القرن السابع والثامن. كما لا يمكن ان يؤاخذ السلفي على نتائج أقواله أو افعاله بحجة أنه مثقف ، فالسلفي كل ما ازداد معرفة برجال السلف وأقوالهم وأفعالهم عد ذلك مكسبا يعز عليه التفريط فيه ، وتقوية لأسوار السجن الذي يتحصن فيه مع الصالحين ، وأزداد تطرفا ،لأنه يقرأ بانتقاء فيختار من فكر السلف ما يتوافق ويتجانس مع النماذج التي احتلت فكره ووجدانه ، وينفر من كل ما يتعارض مع الفكر السلفي أويقدح فيه.

من المسؤول إذن؟ : المسؤول هو الأشخاص و المجتمعات التي اكتسبت القدرة وكفاءة التفكير بنفسها في قضايا الوجود وشروطه ومتطلباته وأهدافه ، وذلك بفعل ما يمكن فعله لمنع اختطاف الصبيان وإغراقهم في حمام السلفية المميت ، وإلا فإن شرها سيزداد في السنوات القادمة ، والسلفيون أبرياء من كل ما قد يلحق البشرية من أذى ، لانعدام توفر اهم شروط المسؤولية في السلفي وهي قدرة العقل على التفكير بذاته ولذاته بموجب قدراته. وحريته في اختيار ما يتوافق وينسجم مع شروط وجوده الحالي.

الجمعة، 22 يوليو 2016

الأخلاق إنسانية ، نسبية ، متغيرة.


هل الدين هو المصدر الوحيد للأخلاق؟.


طرح الأستاذ عبد الله حسن هذا السؤال على حسابه في الفاسبوك ، مستطلعا أراء الفاسبوكيين.


 والجواب عندي ، لا ؛ الدين ليس بالمصدر الوحيد للأخلاق ، بل قد يكون على نقيض ذلك ، شرط أن نعترف أن الدين نفسه موجود لدي معظم شعوب العالم حتى تلك التي نصف نحن دياناتها بأنها وثنية ؛  وهو مفرز فكري وعملي ، وروحي إنساني ؛  يعكس مفهوم  الإنسان عن الإله والألوهية  تصديقا وتصورا ، وعن المظاهر المختلفة للكون وتفاعلاتها، وعن العلاقة بين الإله ومظاهر الكون المتفاعلة والغاية من ذلك ، و يعكس تفسير المجتمعات لهذه المظاهر وفي مقدمتها المرض والموت والحياة "حي بن يقظان لابن طفيل" بطرق مختلفة متمايزة حسب الموقع والزمان ، لكن الميزة الغالبة فيها هي أنها مندمجة : فيها الغيبي ، والخرافي ، والأسطوري ، والتخميني وفيها العملي الواقعي التنظيمي ، كالعلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة ، وطرق وأساليب وشروط الزراعة ،واستئناس وتدجين الحيوانات والطير ، وفيها المعرفي والحسي والنفسي ، و العادات والتقاليد والطقوس بحيث يعطي كل ذلك ثقافة مركبة مستخلصة من حياة الناس الدائمة والمستمرة ، ومن الصراع بين البشر حول السيطرة على المكان وثرواته ، وبين البشر وظواهر الطبيعة ومصار الخير (السعادة) والشر (الشقاء) فيها ، هذا النسيج المتداخل تختلف أهمية مكوناته ودرجة ترتيبها من شعب لآخر ، فيصبغ المجتمع على بعض خيوط النسيج ,وألوانه أو بعض مساحاته سواء أكانت روحية ؛ أو مادية ؛ صفة القداسة ، ويشحنها بمعان خاصة ؛ لها عنده دلالات مؤثرة ، لأسباب تستدعيها متطلبات الحياة في فترة ما، ويقنع أفراده -ويرغمهم عند الحاجة- عن طريق المؤسسات الدينية ، وأدوات السلطة المختلفة  بالتصديق على أنها أوامر الله؛ الرب المسيطر على الكون لهم، وتوجيهاته وترتيباته ورغباته ، أوهي أوامر وتوجيهات أشخاص لهم صفة القداسة  اختارهم هو ؛ وانتدبهم ليتحدثوا بلسانه ، أو ليبلغوا عنه، ويقرن الخضوع لها بالجزاء الحسن ، والخروج عليها بالعقاب الرادع ، كمكة وطقوسها ، وبيت المقدس والمسجد الأقصى عندنا ، ونهر الغانج عند الهنود ، ومعابد المايا في أمريكا بالنسبة للمكان ، وشهر رمضان ، ويوم الجمعة عندنا، ويوم السبت عند اليهود ، وباقي أعيادهم المرتبطة بما يزعم أنهم تعرضوا له من نفي وتشريد وإبادة ، وفترة أيام أعياد المسيحية ؛ ويوم الأحد بالنسبة للزمان ، وبالتالي فالدين مجرد عنصر ثقافي ؛ فيه بعض من شخصية ، وقيم ، وحاجات وآمال الشعب الذي أنتجه ، وكل شعب يزعم أن منتوجه أرقى من منتوج غيره وأفيد ،وكل يحاول أن يربطه بالسماء، وبالتالي فالدين أي دين فيه أخلاق (فضائل)، تحفظ النظام والانضباط ، وتحقق الانسجام والتجانس بين الأفراد والجماعات ،  وفيه لا أخلاق (رذائل) قد تتحول إلى عقبات وعوائق تكبح التطور وتدفع إلى التخلف والتردي، وإلى تصدع المجتمعات واندثارها ،  والأخلاق المستمدة من الدين كغيرها ،  تتغير وتغير ، فتسمو وتنحط بحسب سمو الإنسان أو انحطاطه، ولكنها تِؤثر بدورها في تشكيل وعي الفرد والمجتمع ، بطرق مختلفة : منها الصريح ومنها المتماهية ، ومنها البارزة والعلنية ، ومنها المتسربة والمتسللة عبر الذوبان في غيرها ، فالكثير من أخلاق الأمم هي بعض من دينها ، كما أن ديانات الامم  هي جزء من أخلاقها. لكن من يدعي أن دينه من السماء السابعة، حملته الملائكة، وأن الصراع ليس بين البشرومصالحهم، ولكنه صراع بين الله وعباده من جهة وبين الشيطان وعبيده من جهة أخر لن يقبل هذا التحليل.

الأحد، 17 يوليو 2016

أكبر اللعنات

أكبر لعنات التاريخ هي اللعنة الناتجة عن تجاهل وإنكار حقائقه الموضوعية ، وتزييف وقائعه وتحريف معانيها ، وإسقاط عيوب الذات على الغير.
 

الجمعة، 15 يوليو 2016

أقرب طريق إلى السلم

الرغبة في السلم واستتباب الأمن ترقي ؛ وتتجذر عند الإنسان الذي يكسب باستمرار، وتتحسن حياته المادية إلى الأفضل من يوم لآخر من جهة ، والذي بتأكد كل يوم أكثر أن مكاسبه وكافة حقوقه التي شقي في تحصيلها يحميها القانون ، ويحميه في مواجهة النافذين مهما كانت مراتبهم وقوة نفوذهم من جهة أخرى، فإذا ما تبين له أن هذا غير متوفر ؛ وغير ممكن ؛ فلن يستطيع أحد أن يقنعه بجدوى السلم.

السبت، 9 يوليو 2016

الذهاب إلى البحر

  
... وانتهت المرافعة، فأشار القاضي للمتخاصمين بالانصراف وهو يعلن لهما: القضية في المداولة؛  في الأسبوع المقبل عودا لسماع الحكم.قال أحدهما وقد أدار ظهره يريد الانصراف:

 - احكم بما شئت فلن أعود ، ولن أكون من الحاضرين.

 قال القاضي بصرامة فيها حدة:
قف مكانك، ماذا قلت؟ ولماذا لن تحضر؟.

- لأنني سأذهب إلى البحر.

- وماذا تفعل في البحر؟.

-أطعم أسماكه، فقد علمت أنها لم تعد تجد ما تأكله، وتكاد تنفق من الجوع

- أتسخر مني ؟ أم تمزح ؟أم بعقلك لوثة ؟.

- اختر منها ما تشاء يا سيدي القاضي ، أما آنا فإني ذاهب إلي البحر ،وكلما كنت أقرب إلى منتصفه ،وأبعد عن اليابسة ، كنت أسعد، ألم يبلغك يا سيدي القاضي أن الرحمة في بطن الحوت ؟ أقصد أي حوت من حيتان البحار والمحيطات.
 نظر إليه الشرطيان المكلفان بضبط أمن الجلسات ؛ وقد عكست ملامح وجهيهما كل دلائل الولاء للقاضي وفريقه ، والاحتقار للغريب وأمثاله من المكدسين على كراسي القاعة كأكياس القمامة ، وتحفزا للهجوم عليه ،فوضع كل منهما مقبضه على العصا الكهربائية ـ منتظرين إشارة القاضي أو وكيل الجمهورية .
واصل حديثه دون أين يعير أيا من الحضور اهتمامه: .... وشعرت بالطهر يحيطني من كل ناحية ، وصارت ملوحته القاتلة بالنسبة لي ملاحة آسرة ، فالموت بين أحضان الجمال بلا أحقاد ، أول مدرج إلى الجنة الأبدية ، يا سيدي القاضي.

وضع القاضي ذقنه علي كفه وراح ينصت.
- ... يا سيدي القاضي : أخطأنا حين اعتقدنا أن أولاد الحرام قد غادروا إلي الشمال مع من زنى بأمهاتهم...
- صرخ وكيل الجمهورية: اسكت. شرطي أخر...

أمر القاضي:
- شرطي انتظر، دعه يكمل...وأضاف :- هذب ألفاظك -.
 واصل الرجل كلامه وكأنه وحده ، أو هو لا يعي ما يدور حوله :
...أولاد الحرام- أيها السادة - تواروا دون أن يناموا ، حين كانت نشوة ما اعتقدناه نصرا ترقصنا ، وحين كانت هي العزف وهي الإيقاع ،هي الرحلة والراحلة و المتاع، وحين كان بأجسادنا المنفلتة من الأغلال شوق إلى الحركة الحرة ، في أحضان الساحات العطشى لروائح البطولة المنسابة من قمم الجبال ، نازلة مع الجداول عبر السفوح، ملتفة على نول الرغبة في غزو الفضاء المملوء بأرواح الآباء الأباة.

  -يا سيدي القاضي حينذاك ، استغل أولاد الحرام تعب الأبطال ، ومللهم ، وجنوحهم للراحة والركون للذتها، فتكاثروا وانتشروا ، وجمعوا كل الأرقام السرية ، ومفاتيح المنافذ، والسراديب الخفية ، ومسكوا بأيديهم الجو ، والبر ، وشواطئ البحر ، وقيدوا ما بقي من الأبطال ،ثم جلسوا عنوة على صدورهم ، وصدورنا ، في كل زاوية ولية من مفاصلنا ، ومفاصل هذا الوطن ،بل ومفاصلي وهي الآن بفعل سمومهم تؤلمني ، و استأنفوا عهرهم المعتاد دون خشية.

 - سيدي القاضي : عليك أن تعرف أن عهر الواحد منهم ، يفوق عهر كل الشياطين مجتمعة ، وظلمهم لم يعد يؤلم الناس والحيوان و النبات فقط ، بل صار يؤلم شياطين العوالم بأسرها ، ويدفعها للثورة ، وقد امتلأ ظهر الأرض بهم ، الشياطين نفسها ، غدت مثلنا تماما تستعيذ منهم بما في الأناجيل؛ والقرآن ؛والتوراة؛ والزابور ، وكل الكتب المقدسة من تعاويذ دون فائدة...
وكان الرذاذ والزبد والملح قد بدأ يغزو شفتيه؛ ويتطاير منهما ، حين استدار دون أن يستأذن أحدا ،  تواري خلف الباب الخارجي للمحكمة ، وهو يتلو حاله المتناثرة المتشظية على أسماع الحاضرين والعيون المشيعة تقتفي أثره.

الضيف حمراوي 28/06/2011

الخميس، 7 يوليو 2016

معنى الوطن

 


الوطن ليس بقعة من التراب لها حدود معترف بها لشعب ما في هيئة الأمم المتحدة ،وراية تردد تحت ظلها الأناشيد الوطنية بعد أن غاب أو غييب الذين صبغوها بدمائهم ، الوطن عدل يمنع تأزم العلاقات بين الناس ، ويمنع سفك الدماء ؛الذي يكون غالبا نتيجة وليس سببا، سبب كل الحروب الأهلية والجرائم البشعة التي عرفتها المجتمعات ليس عدم وجود وطن بالمفهوم التقليدي ، ولكنه فقدان ثقة المحكوم في الحاكم وفي القاضي وفي الموثق وفي الشرطي وفي الإداري وفي الإمام المحلل داخل الوطن ؛ وفي كل  الذين يجعلون الوطن وقداسته مزرعة لهم ؛ ويجعلون البشر جزءا من مواشيهم ،أو جزء من قطيع العصابة الحاكمة.  
رفض العرب منذ قرون مضت قراءة ما خلفه الكواكبي في التحذير من مخاطر الاستبداد بجدية ؛ وتطبيقه أو على الأقل لاسترشاد به في سياسة البلاد والعباد ؛ فصاروا إلى وضعهم الحالي .دفع المرحوم حسين آيت أحمد خلاصة شبابه من أجل حرية الجزائر واستقلالها ، وحين استقلت قضى بقية حياته منفيا وحيدا ومات غريبا في المنفى وقدم محمد بوضياف زهرة شبابه للوطن ولشعبه وبعد (الاستقلال) تلقاه المنفى هو الآخر وحين استدعاه الوطن مرة أخرى في شيخوخته لبى الدعوة متناسيا آلام ماضيه ليقتل في حضن ما كان يعتقد واهما أنه وطنه ؛ جهارا نهارا ؛ أمام العالم شر قتلة، فقط لأنه قال لا للاستبداد الذي عصف بالبلاد ، والذي يرفض الحياة أو يرفض كل من يأمل في بعث الحياة .هذه مجرد أمثلة بسيطة للاستدلال ، فهل بقي معنى يمكن أن يدرك للوطن أو لأعداء الوطن ؟؟.
وعليه فلا يوجد ما درج السياسيون الانتهازيون على التغني به بوصفه وطنا تحشى به عقول الأطفال في المدارس والأندية ، ,وأكرر قناعتي لا يوجد وطن سوى وطن الإحساس بالعدل في ظل قضاء مستقل نظيف و نزيه ومحايد يضمن تكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق والواجبات ،ويقنع الناس عمليا بتوفر كل شروط الأمن والأمان على النفس والعرض والمال في الحال والمآل وحماية كافة الحقوق المشروعة المعترف بها في العالم للأفراد والجماعات بدون أي تمييز ، فإذا تلاشى هذا من واقع الناس ومعاشهم زالت الوطنية من الأحاسيس والمشاعر في النفوس والقلوب ، وزال الاعتراف بالوطن ، الاعتراف الحقيقي والمجدي الذي يحميه المواطن ويغار عليه ويدافع عنه ويفيده ويبنيه ، والذي حرره وأقام حدوده قبل أن تعترف به الأمم المتحدة وإلا امحت نوازع الانتماء و تلاشى كل معنى لكلمة وطن ،وبرزت بدل ذلك  الكراهية والعداوات ، وثارت الأحقاد والثارات والقلاقل والاضطرابات وكل أشكال الفوضى حتى بين أفراد العائلة الواحدة ، وأصبحت الغالبية الغالبة شعوب عصابات ترى الوطن غيمة تغنم بدل أن تحمى وترعى وشكلت أنظمة مستبدة ظالمة من المنحرفين يسمحون بل يفرطون في ما يعتقده المواطن العادي السوي وطنا مقدسا
 ويدفعون فلذات أكباد المواطنين في البحار ، هل هناك من يدرك معنى هذا؟؟؟



 



 


 

  .الدائرة جلست في الساحة العمومية؛ على كرسي من كراسيها الخشبية المهترئة؛ أحادث نفسي وتحادثني، ماذا حدث حتى تكاثرت هذه الوجوه المتعبة الحزين...